ثمّ بالغ سبحانه في الحثّ على ملازمة التّقوى والعدل لكونهما شديدي المخالفة للطّباع ، بتذكير المؤمنين نعمه عليهم ، المقتضية للطّاعة والشّكر ، بقوله : ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ﴾ التي أنعمها ﴿عَلَيْكُمْ﴾ وهي حفظ نفوسكم ﴿إِذْ هَمَ﴾ وعزم ﴿قَوْمٌ﴾ من الكفّار على ﴿أَنْ يَبْسُطُوا﴾ ويمدّوا ﴿إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ﴾ بالقتل والأسر والغارة ﴿فَكَفَ﴾ الله ﴿أَيْدِيَهُمْ﴾ بلطفه ورحمته ﴿عَنْكُمْ﴾ ومنعها من الوصول إليكم ، إذن فاشكروا تلك النّعمة العظيمة ﴿وَاتَّقُوا اللهَ﴾ واحذروا مخالفة أوامره ونواهيه ، ولا تخافوا في طاعته أحدا ﴿وَعَلَى اللهِ﴾ القادر ﴿فَلْيَتَوَكَّلِ﴾ وليعتمد في دفع الأعداء وكيدهم ﴿الْمُؤْمِنُونَ﴾ به العارفون بولايته لأوليائه.
في بيان حفظ الله نبيه صلىاللهعليهوآله من القتل
روي عن ابن عبّاس رضى الله عنه : بعث النبيّ صلىاللهعليهوآله سريّة إلى بني عامر فقتلوا ببئر معونة إلّا ثلاثة نفر أحدهم عمر بن اميّة الضّمري ، وانصرف هو وآخر معه إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله ليخبراه خبر القوم ، فلقيا رجلين من بني سليم ، معهما أمان من النبيّ صلىاللهعليهوآله فقتلاهما ولم يعلما أنّ معهما أمانا.
فجاء قومهما إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله يطلبون الدّية ، فخرج النبيّ صلىاللهعليهوآله ومعه عليّ عليهالسلام وأبو بكر وعمر وعثمان حتّى دخلوا على بني النّضير ، وقد كانوا عاهدوا النبيّ صلىاللهعليهوآله على ترك القتال ، وأن يعينوه في الدّيات ، فقال النبيّ صلىاللهعليهوآله : « رجل من أصحابي أصاب رجلين معهما أمان منّي ، فلزمني ديتهما ، فاريد أن تعينوني» .
فقالوا : اجلس حتّى نطعمك ونعطيك ما تريد ، ثمّ همّوا بالفتك برسول الله صلىاللهعليهوآله وبأصحابه ، فنزل جبرئيل فأخبره بذلك ، فقام رسول الله صلىاللهعليهوآله في الحال مع أصحابه وخرجوا ، فقال اليهود : إنّ قدورنا تغلي ، فأعلمهم الرّسول صلىاللهعليهوآله أنّه قد نزل عليه الوحي بما عزموا عليه. قال (١) : وقد تآمروا على أن يطرحوا عليه رحا أو حجرا. وقيل : بل ألقوا ، فأخذه جبرئيل.
وقيل : إنّ الرّسول صلىاللهعليهوآله نزل منزلا وتفرّق النّاس عنه ، وعلّق سيفه بشجرة ، فجاء أعرابي وسلّ سيف رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وقال : من يمنعك منّي ؟ فقال : « الله » - قالها ثلاثا - فأسقطه جبرئيل من يده ، فأخذه رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وقال : « من يمنعك منّي ؟ » فقال : لا أحد ، ثمّ صاح رسول الله صلىاللهعليهوآله بأصحابه فأخبرهم ، وأبى أن يعاقبه (٢) .
أقول : على هاتين الرّوايتين يكون المراد من تذكيرهم نعمة الله هو دفع الشّرّ عن النبيّ صلىاللهعليهوآله حيث إنّ قتله أعظم المحن على المؤمنين.
__________________
(١) زاد في تفسير الرازي : عطاء.
(٢) تفسير الرازي ١١ : ١٨٣.