كفيلا على قومه بالوفاء بما امروا به ، توثقة عليهم ، فاختار النّقباء ، وأخذ الميثاق على بني إسرائيل ، وتكفّل لهم النّقباء ، وسار بهم ، فلمّا دنا من أرض كنعان ، بعث النّقباء يتجسّسون الأخبار ويعلمون علمها ، فرأوا أجراما عظيمة وقوّة وشوكة ، فهابوا ورجعوا وحدّثوا قومهم بما رأوا ، وقد نهاهم موسى عن ذلك ، فنكثوا الميثاق إلّا كالب بن يوقنا نقيب سبط يهودا ، ويوشع بن نون نقيب سبط افرائيم بن يوسف الصّديق.
قيل : لمّا توجّه النّقباء إلى أرضهم للتّجسّس لقيهم عوج بن عنق وكان طوله ثلاثة آلاف وثلاثمائة وثلاثة وثلاثين ذراعا وثلث ذراع ، وعاش ثلاثة آلاف سنة ، وكان يحتجز بالسّحاب ويشرب منه ، ويتناول الحوت من قرار البحر ، فيشويه بعين الشّمس يرفعها إليها ثمّ يأكله ، فلمّا لقي عوج النّقباء وعلى رأسه حزمة حطب أخذهم وجعلهم في الحزمة - وفي رواية : في كمّه - فانطلق بهم إلى امرأته وقال : انظري إلى هؤلاء الّذين يزعمون قتالنا.
وفي رواية : أتى بهم الملك فنشرهم بين يديه فقال : ارجعوا إلى قومكم فأخبروهم بما رأيتم ، فلمّا رجعوا قال بعضهم : إنّكم إن أخبرتم بني إسرائيل بخبر القوم ارتدّوا عن نبيّ الله ، ولكن اكتموه إلّا عن موسى وهارون ، فيكونان هما يريان رأيهما ، فأخذ بعضهم على بعض الميثاق بذلك ، ثمّ انصرفوا إلى موسى ، فنكثوا عهدهم ، وجعل كلّ منهم ينهى سبطه عن قتالهم ، ويخبرهم بما رأوا ، إلّا كالب ويوشع (١) ، الخبر.
﴿فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ
مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً
مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣)﴾
﴿فَبِما نَقْضِهِمْ﴾ ونكثهم ﴿مِيثاقَهُمْ﴾ وعهدهم ، وبسبب خلفهم بما التزموا به ﴿لَعَنَّاهُمْ﴾ وطردناهم عن ساحة الرّحمة وقيل : يعني : مسخناهم خنازير وقردة (٢) وعن ابن عبّاس : ضربنا عليهم الجزية (٣) .
﴿وَجَعَلْنا﴾ وصيّرنا ﴿قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً﴾ صلبة ، لا تتأثّر بالآيات والنّذر ، وقيل : فاسدة رديئة ، أو نائية عن قبول الحقّ ، منصرفة عن الانقياد للدّلائل (٤) .
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٣ : ١٤ ، تفسير روح البيان ٢ : ٣٦٣.
(٢) تفسير الرازي ١١ : ١٨٦ ، تفسير روح البيان ٢ : ٣٦٥.
(٣) تفسير الرازي ١١ : ١٨٦.
(٤) تفسير الرازي ١١ : ١٨٧.