وأنصفوا بينهم وإن جاروا عليكم ، واعلموا أنّ العدل في القول والفعل ﴿هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى﴾ الذي امرتم به.
قيل : نزلت الآية في مشركي قريش لمّا صدّوا المسلمين عن المسجد الحرام (١) .
إن قيل : فكيف يجوز قتل الكفّار ، وسبي نسائهم وذراريهم ، ونهب أموالهم ، مع أنّه جور عليهم؟
قلت : الجور هو التّجاوز عن حدود الشّرع ، والمعاملات المذكورة مع الكفّار هي الحدود المقرّرة فيه ، وهو عين العدل.
ثمّ بالغ الله سبحانه في تأكيد الأمر بالتّقوى بقوله : ﴿وَاتَّقُوا اللهَ﴾ يا عباد الله في مخالفة أحكامه ، ثمّ وعد الملتزمين بالتّقوى بالثّواب ، وأوعد التّاركين له بالعقاب بقوله : ﴿إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ﴾ من الطّاعة والعصيان ، بحيث لا يخفى عليه شيء من أحوالكم وأعمالكم خفيّها وجليّها ، فيجازيكم بما تستحقّون من الثّواب والعقاب.
وفي تكرار النّهي عن حمل الشّنآن على التّعدّي وترك العدل دلالة على مزيد الاهتمام بالعدل ، والمبالغة في إيجاب إطفاء نائرة الغيظ ، وترك متابعة الهوى.
﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ * وَالَّذِينَ
كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (٩) و (١٠)﴾
ثمّ وعد الله سبحانه المؤمنين الملتزمين بالتّقوى والعدل والقسط تطييبا لقلوبهم ، وتشفّيا لهم من غيظ الكفّار بالثّواب العظيم أوّلا بقوله : ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ﴾ ومنها العدل والتّقوى ، ثمّ كأنّه قيل : ما وعدهم ؟ فقال : ﴿لَهُمْ مَغْفِرَةٌ﴾ وستر للسّيّئات بتبديلها بالحسنات ﴿وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ من الجنّة والنّعم الدّائمة.
ثمّ وعدهم بتعذيب أعدائهم ثانيا بقوله : ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا﴾ التي منها الآيات الدّالّة على وجوب العدل والتّقوى ﴿أُولئِكَ﴾ الكافرون المكذّبون ﴿أَصْحابُ الْجَحِيمِ﴾ وملازموها إلى الأبد.
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ
أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١١)﴾
__________________
(١) تفسير الرازي ١١ : ١٨٠.