ثمّ لمّا ذكر أنّ تشريع التّيمّم ، وتخفيف أحكامه تتميم لنعمه ، نبّههم بأصل نعمه ترغيبا إلى الشّكر ، وحثّا على الانقياد ، بقوله : ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ﴾ التي أنعمها ﴿عَلَيْكُمْ﴾ من هدايتكم إلى دين الإسلام ، وإخراجكم من ظلمات الشّرك والجهل إلى نور التّوحيد والمعارف الإلهيّة التي لم تكن في سائر الامم ، ﴿وَ﴾ اذكروا ﴿مِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ﴾ وعهده الأكيد الذي عاهدكم عليه ، بتوسّط رسوله حين بايع المؤمنين على السّمع والطّاعة لجميع أوامره وأحكامه ، في حال اليسر والعسر والنّشاط والكره ، وأنتم - أيّها المؤمنون - قبلتم العهد والتزمتم به ﴿إِذْ قُلْتُمْ﴾ في جواب الرّسول : ﴿سَمِعْنا وَأَطَعْنا﴾ أوامرك وأحكامك.
عن الباقر عليهالسلام : « المراد بالميثاق : ما بيّن لهم في حجّة الوداع من تحريم المحرّمات ، وكيفيّة الطّهارة ، وفرض الولاية ، وغير ذلك » (١) .
وعن القمّي رحمهالله : لمّا أخذ رسول الله صلىاللهعليهوآله الميثاق عليهم بالولاية ، قالوا : سمعنا وأطعنا (٢) .
ثمّ رهّب المؤمنين عن كفران النّعمة ، ونقض الميثاق بقوله : ﴿وَاتَّقُوا اللهَ﴾ واحذروه في كفران نعمه ونسيانها ، ونقض ميثاقه ، ومخالفة أحكامه.
ثمّ بالغ في التّهديد بقوله : ﴿إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ﴾ ومطّلع على مكنونها ، فيجازيكم عليها ، فكيف بجليّات الأعمال !
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ
عَلى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما
تَعْمَلُونَ (٨)﴾
ثمّ أكّد سبحانه وجوب العمل بالميثاق ، والوفاء بالعهد على امتثال أحكامه التي مرجعها إلى وجوب القيام بوظائف العبوديّة ، وأداء حقوق النّاس ، والعدل فيهم ، بقوله : ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ﴾ بالعبوديّة ﴿لِلَّهِ﴾ ثابتين على طاعته ، مبالغين في أمتثال أوامره ونواهيه ، مجدّين في العمل بأحكامه ، وكونوا ﴿شُهَداءَ﴾ بين النّاس ﴿بِالْقِسْطِ﴾ والعدل ، وقولوا الحقّ وإن كان مضرّا على أوليائكم ، نافعا لأعدائكم ﴿وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ﴾ ولا يحملنّكم ﴿شَنَآنُ قَوْمٍ﴾ وشدّة عداوة طائفة ﴿عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا﴾ فيهم ، وتجوروا عليهم بارتكاب ما لا يحلّ لكم من المثلة ، وقتل النّساء والصّبية ، وقذف المحصنة ، وشهادة الزّور ، وارتكاب الخيانة ، إلى غير ذلك ، بل ﴿اعْدِلُوا﴾ فيهم وإن ظلموكم ،
__________________
(١) مجمع البيان ٣ : ٢٦٠ ، تفسير الصافي ٢ : ٢٠.
(٢) تفسير القمي ١ : ١٦٣ ، تفسير الصافي ٢ : ٢٠.