أقول : لا ريب أنّ هذه الرّواية والرّواية السّابقة الدّالّة على الاجتزاء بثلاث أصابع محمولتان على الاستحباب ، لقوّة إطلاق ما سواهما من الرّوايات ، خصوصا قوله عليهالسلام : « فإذا مسح بشيء من رأسه أو بشيء من قدميه ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع فقد أجزأ » (١) المعتضد بعمل الأصحاب وفتوى المشهور.
في علل تشريع الوضوء
وعن الرضا عليهالسلام قال : « امر بالوضوء وبدئ به ، لأن يكون العبد طاهرا إذا قام بين يدي الجبّار [ و] عند مناجاته إيّاه ، مطيعا [ له ] في ما أمره ، نقيّا من الأدناس والنّجاسة ، مع ما فيه من ذهاب الكسل ، وطرد النّعاس ، وتزكية الفؤاد للقيام بين يدي الجبّار » (٢) .
قال : « وإنّما جوّزنا الصّلاة على الميّت بغير وضوء ؛ لأنّه ليس فيها ركوع ولا سجود ... ، وإنّما يجب الوضوء في الصّلاة التي فيها ركوع وسجود » (٣) .
وفي حديث ( المعاني ) عن الرضا عليهالسلام : « إنّما وجب الوضوء على الوجه واليدين ومسح الرأس والرّجلين ؛ لأنّ العبد إذا قام بين يدي الجبّار فإنّما يكشف عن جوارحه ويظهر ما وجب فيه الوضوء ، وذلك أنّه بوجهه يستقبل ويسجد ويخضع وبيده يسأل ويرغب ويرهب ويتبتّل ، وبرأسه يستقبل في ركوعه وسجوده ، وبرجليه يقوم ويقعد ، وإنّما وجب الغسل على الوجه واليدين ، و[ جعل ] المسح على الرأس والرّجلين ، ولم يجعل غسلا كلّه ، ولا مسحا كلّه ، لعلل شتّى ، منها : أنّ العبادة العظمى إنّما هي الرّكوع والسّجود ، وإنّما يكون الرّكوع والسّجود بالوجه واليدين لا بالرّأس والرّجلين. ومنها : أنّ الخلق لا يطيقون في كلّ وقت غسل الرّأس والرّجلين ، ويشتدّ ذلك عليهم في البرد والسّفر والمرض و[ أوقات من ] اللّيل والنّهار ، وغسل الوجه واليدين أخفّ من غسل الرّأس والرّجلين ، وإنّما وضعت الفرائض على قدر أقلّ النّاس طاقة من أهل الصّحّة ، ثمّ عمّ [ فيها ] القويّ والضّعيف. ومنها : أنّ الرأس والرّجلين ليس هما في كلّ وقت باديان وظاهران كالوجه واليدين ، لموضع العمامة والخفّين وغير ذلك » (٤) .
في حكمة غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين
وعنه عليهالسلام ، في رواية : « ثمّ الوضوء كما أمر الله في كتابه : غسل الوجه واليدين إلى المرفقين (٥) ومسح الرأس والرّجلين ، فلقيامه بين يدي الله عزوجل واستقباله إيّاه بجوارحه الظّاهرة ، وملاقاته بها الكرام الكاتبين ، فغسل الوجه للسّجود والخضوع ،
__________________
(١) التهذيب ١ : ٧٦ / ١٩١.
(٢) عيون أخبار الرضا عليهالسلام : ٢ : ١٠٤ / ١.
(٣) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ٢ : ١١٥ / ١.
(٤) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ٢ : ١٠٤ / ١.
(٥) في علل الشرائع : أن علة الوضوء التي من أجلها صار غسل الوجه والذراعين.