﴿وَكانَ اللهُ عَزِيزاً﴾ وقادرا على إرسال الرّسل ، وإنزال الكتب ، وتكميل النّفوس ، وإعطاء الثّواب ، وتعذيب العصاة ، وقطع الأعذار ﴿حَكِيماً﴾ في جميع أفعاله.
﴿لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللهِ
شَهِيداً (١٦٦)﴾
ثمّ قيل : إنّه لمّا نزل قوله تعالى : ﴿إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ﴾(١) الآية ، قال قوم : [ نحن ] لا نشهد لك بذلك.
فردّ الله عليهم ، وسلّى نبيّه صلىاللهعليهوآله بقوله : ﴿لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ﴾(٢) لك ﴿بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ﴾ من السّماء وهو القرآن أنّه حقّ وصدق ، وشهادته تعالى باشتماله على إعجاز البيان ، والأخبار الصّادقة بالمغيّبات ، والعلوم الكثيرة مع كون الجائي به امّيّا.
ثمّ وصف ما أنزله بقوله : ﴿أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ﴾ غير المتناهي ، وحكمته البالغة ، فلمّا كان علمه غير المتناهي سببا لنزوله ، صار في غاية الحسن ونهاية الكمال بحيث عجز الأوّلون والآخرون عن معارضته والإتيان بمثله.
وقيل : إنّ المراد : أنزله بعلمه بأنّك مستأهل له (٣) .
﴿وَالْمَلائِكَةُ﴾ كلّهم أيضا ﴿يَشْهَدُونَ﴾ بأنّ القرآن نازل من عند الله ﴿وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً﴾ بذلك لا يحتاج إلى شهادة غيره.
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً (١٦٧)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد شهادته بصدق القرآن وصحّة دين الإسلام ، وبّخ المنكرين له الصّادّين عنه ، بقوله : ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ بالقرآن ﴿وَصَدُّوا﴾ ومنعوا النّاس بإلقاء الشّبهات ﴿عَنْ﴾ سلوك ﴿سَبِيلِ اللهِ﴾ والدّخول في دين الإسلام ﴿قَدْ ضَلُّوا﴾ عن الهدى وطريق الجنّة ﴿ضَلالاً بَعِيداً﴾ لا يرجى منهم الهداية.
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلاَّ طَرِيقَ
جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً (١٦٨) و (١٦٩)﴾
ثمّ هدّدهم بقوله : ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا﴾ أنفسهم بإصرارهم على الكفر ، والنّاس بصدّهم عن
__________________
(١) النساء : ٤ / ١٦٣.
(٢) تفسير الرازي ١١ : ١١١.
(٣) تفسير الصافي ١ : ٤٨٣.