انزلت التوراة على موسى دفعة ، فأجاب الله عن تلك الشّبهة بأن هؤلاء المذكورين كانوا كلّهم أنبياء مع أنّ واحدا منهم ما اتي بكتاب مثل التّوراة دفعة ، فلا يقدح نزول الكتاب نجوما في كونه من عند الله ، كذا قيل(١) .
﴿وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللهُ
مُوسى تَكْلِيماً (١٦٤)﴾
ثمّ أكمل البيان وأتمّ الحجّة بقوله : ﴿وَرُسُلاً﴾ آخرين أرسلناهم إلى النّاس جماعة منهم ﴿قَدْ قَصَصْناهُمْ﴾ وتلونا أحوالهم ﴿عَلَيْكَ﴾ وسمّيناهم لك ﴿مِنْ قَبْلُ﴾ في السّور الاخر من القرآن ، كهود وصالح وإدريس عليهمالسلام ﴿وَرُسُلاً﴾ أخر ﴿لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ﴾ في كتابك ، ولم نسمّهم لك ، ولم نذكر أحوالهم.
عن أبي ذرّ رضى الله عنه قال : قلت : يا رسول الله ، كم كانت الأنبياء ؟ وكم كان المرسلون ؟ قال : « كانت الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا ، وكان المرسلون ثلاثمائة وثلاثة عشر » (٢) .
ثمّ بيّن مزيّة موسى عليهالسلام من بينهم بقوله : ﴿وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى﴾ من بينهم في الطّور ﴿تَكْلِيماً﴾ بطريق المشافهة.
قيل : فيه إشارة إلى أنّ تخصيص موسى عليهالسلام بهذه المزيّة ، كما لا يقدح في نبوّة غيره من الأنبياء ، لا يقدح نزول كتابه دفعة في نبوّة نبيّ نزل كتابه نجوما كالقرآن (٣) .
﴿رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ
اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٦٥)﴾
ثمّ بيّن سبحانه حكمة إرساله الرّسل بقوله : ﴿رُسُلاً﴾ كثيرة أرسلناهم إلى النّاس من بدو الخلقة حال كونهم ﴿مُبَشِّرِينَ﴾ لهم بالثّواب على الإيمان بتوحيد الله والقيام بعبوديّته ﴿وَمُنْذِرِينَ﴾ لهم بالعقاب على الشّرك والعصيان ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ﴾ ومعذرة ، أو اعتراض ملزم ﴿بَعْدَ﴾ إرسال ﴿الرُّسُلِ﴾ بأن يقولوا : ﴿رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾(٤) .
__________________
(١) تفسير الرازي ١١ : ١٠٩.
(٢) تفسير روح البيان ٢ : ٣٢٣.
(٣) تفسير الرازي ١١ : ١٠٩.
(٤) القصص : ٢٨ / ٤٧.