الطّباع ، بقوله : ﴿إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ﴾ وشرّفناك بمنصب الرّسالة ﴿كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ﴾ الّذين كانوا ﴿مِنْ بَعْدِهِ﴾ يروّجون شريعته إلى زمان إبراهيم عليهالسلام ، ﴿وَ﴾ كما ﴿أَوْحَيْنا﴾ بعدهم ﴿إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ﴾ بن إسحاق ، ﴿وَ﴾ أنبياء ﴿الْأَسْباطِ﴾ الاثني عشر ، وهم أولاد يعقوب ، ﴿وَ﴾ إلى ﴿عِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ﴾ .
وفي ذكر هؤلاء بأسمائهم ، مع كونهم من الأسباط وكون الأنبياء أكثرهم منهم ، دلالة على أفضليّتهم من الغير المذكورين. وإنّما قدّم ذكر نوح لكونه آدم الثّاني ، وأوّل من شرع الله على لسانه الأحكام ، وأوّل اولي العزم من الرّسل.
ثمّ أجمل في ذكر سائر الأنبياء الّذين كانوا بعده ، ثمّ ذكر الأفاضل منهم تفصيلا ، وبدأ بذكر إبراهيم عليهالسلام لكونه أفضل المذكورين وأقدمهم ، وثاني اولي العزم ، ثمّ ذكر أنبياء الأسباط بنحو الإجمال ، ثمّ ذكر أسماء أفاضلهم ، وبدأ في هذا التّفصيل بذكر اسم عيسى ، لكونه أفضل المذكورين في الآية وثالث اولي العزم ولتبكيت اليهود ، حيث إنّهم شدّدوا في إنكار نبوّته وصحّة نسبه.
في بيان الزبور وتلاوة داود عليهالسلام إيّاه
ثمّ خصّ داود عليهالسلام من بينهم بفضيلة إيتائه الكتاب بقوله : ﴿وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً﴾ لشهرة كتابه بين اليهود ونزوله نجوما كالقرآن ، فأشار بذكره إلى أنّه لو كان نزول كتاب نجوما قادحا فيه ، لكان على اليهود القدح في الزّبور ، مع أنّهم يعظّمونه غاية التعظيم.
قيل : كان فيه مائة وخمسون سورة ليس فيها حكم ، وإنّما هي حكم ومواعظ وتحميد وتمجيد وثناء على الله عزوجل ، وكان داود يبرز إلى البريّة ويقرأ الزّبور ، فيقوم علماء بني إسرائيل خلفه ، ويقوم النّاس خلف العلماء ، ويقوم الجنّ خلف النّاس ، وتجيء الدّواب التي في الجبال إذا سمعت صوت داود ، فيقمن بين يديه تعجّبا لما يسمعن من صوته ، وتجيء الطّير حتّى يظلّلن على داود في خلائق لا يحصيهنّ إلّا الله ، يرفرفن على رأسه ، وتجيء السّباع حتّى تحيط بالدّواب والوحش لما يسمعن ، فلمّا قارف الذّنب (١) - وهو تزوّج امرأة اوريا من غير انتظار الوحي بجبرئيل عليهالسلام - لم يروا ذلك (٢) .
في ذكر عدد الأنبياء والرسل
ثمّ أنّه تعالى ذكر أسماء الأنبياء المشهورين ، ولم يذكر موسى عليهالسلام معهم ، لأنّ اليهود كانو يحتجّون على النبيّ صلىاللهعليهوآله بأنّ كتابك لو كان من السّماء لكان ينزل دفعة كما
__________________
(١) اقتراف الذنوب ممّا لا يجوز على الأنبياء عليهمالسلام لأنهم معصومون ، ولا يبعد أن تكون حكاية زواج داود عليهالسلام من امرأة اوريا هي من الروايات الاسرائيلية التي تسربت إلى ساحة التفسير ، وقد روي عن أمير المؤمنين عليهالسلام أنه قال : « لا اؤتى برجل يزعم أن داود عليهالسلام تزوج بامرأة اوريا إلا جلدته حدّين : حدّ النبوة ، وحدّ الاسلام » راجع تنزيه الأنبياء / للسيد المرتضى : ٩٠ - ٩٢.
(٢) تفسير روح البيان ٢ : ٣٢٣.