والمكائد والتّسويلات ﴿وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا﴾ من النّاس ، ﴿وَ﴾ الحال أنّهم ﴿قَدْ نُهُوا عَنْهُ﴾ في التّوراة وغيرها من الكتب ﴿وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ﴾ وبغير الوجه المحلّل ، كالرّشوة وغيرها.
ثمّ ذكر تشديده عليهم في الآخرة بقوله : ﴿وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ﴾ دون المؤمنين بمحمّد صلىاللهعليهوآله ، ككثير من الأحبار ﴿عَذاباً أَلِيماً﴾ في الآخرة.
﴿لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ
مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً (١٦٢)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد ذمّ الكفّار وذكر قبائح أعمالهم وسوء عاقبتهم ، ذكر محامد المؤمنين وحسن عاقبتهم على حسب دأبه في الكتاب العزيز بقوله : ﴿لكِنِ الرَّاسِخُونَ﴾ والمستغرقون ﴿فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ﴾ بحيث لا يضطربون بإلقاء الشّبهات ، ولا يميلون إلى الخرافات بالتّسويلات ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ الخلّص ﴿يُؤْمِنُونَ﴾ عن صميم القلب وصدق النّيّة ﴿بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ من القرآن ﴿وَما أُنْزِلَ﴾ إلى سائر الأنبياء ﴿مِنْ قَبْلِكَ﴾ من الكتب السّماويّة ، ﴿وَ﴾ أخصّ ﴿الْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ﴾ بالمدح.
وقيل : إنّه معطوف على ما ﴿أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾(١) ، والمعنى : يؤمنون بالمقيمين الصّلاة ، والمراد بهم الأنبياء والملائكة. ﴿وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ﴾ من أموالهم ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ﴾ وبوحدانيّته ﴿وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ وإنّما قدّم سبحانه الإيمان بالكتب والأعمال الصّالحة على الإيمان بالله وبالمعاد لكونه المقصود الأهمّ في المقام.
﴿أُولئِكَ﴾ المتّصفون بتلك الصّفات الحميدة ﴿سَنُؤْتِيهِمْ﴾ في الآخرة ﴿أَجْراً عَظِيماً﴾ وثوابا جزيلا لا يقادر قدره.
﴿إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ
وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ
وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (١٦٣)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان شدّة إنكار اليهود وتعنّتهم على الرّسول ، بيّن أنّ الرّسالة ليست من البدائع والأمور الجديدة غير المأنوسة ، بل كانت في جميع الأزمان تقريبا للأذهان ، ودفعا للتّحاشي عن
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٢ : ٢٥٤.