عن ابن مسعود رضى الله عنه ، [ وقد سئل ] عن الدّرك الأسفل ، فقال : هو توابيت من حديد مبهمة عليهم ، لا أبواب لها (١) .
ثمّ بيّن انقطاع طمعهم عن الخلاص بقوله : ﴿وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً﴾ ومخلّصا من النّار ﴿إِلَّا الَّذِينَ تابُوا﴾ ورجعوا عن كفرهم ونفاقهم ﴿وَأَصْلَحُوا﴾ أيضا أعمالهم وأخلاقهم ﴿وَاعْتَصَمُوا﴾ وواثقوا ﴿بِاللهِ﴾ بالتّمسّك بحبل شريعته ﴿وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ﴾ عن الشّوب بالأهوية (٢) الفاسدة ﴿لِلَّهِ﴾ لا يبتغون بطاعته وإيمانهم به إلّا رضاه ﴿فَأُولئِكَ﴾ الموصوفون بتلك الصّفات الحميدة يكونون في الدّرجات العالية الاخرويّة ﴿مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ الّذين كانوا من بدو إيمانهم مؤمنين ﴿وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ﴾ في الآخرة والدّنيا ﴿الْمُؤْمِنِينَ﴾ الخلّص عموما ﴿أَجْراً عَظِيماً﴾ لا يمكن بيان عظمته وقدره.
وفي جعل التّائبين عن النّفاق تبعا للمؤمنين الخلّص في الأجر ، إشعار بتشريف المؤمنين الخلّص عليهم.
﴿ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكانَ اللهُ شاكِراً عَلِيماً (١٤٧)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد وعيد المنافقين بأشدّ العذاب ، ووعدهم على الإيمان والتّوبة والعمل الصّالح بأعلى الثّواب منه. جعل العذاب على الكفر والعصيان لتحميل النّاس على الإيمان والطّاعة ، لطفا بهم ، لا للتّشفّي ، أو جلب النّفع إلى نفسه ، أو دفع الضّرر عنها ، بقوله : ﴿ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ﴾ وأيّ داع له إلى عقابكم ﴿إِنْ شَكَرْتُمْ﴾ نعمه وامتثلتم أحكامه ﴿وَآمَنْتُمْ﴾ به وبرسوله واليوم الآخر ، بل إنّما أمركم بما أمر ونهاكم عمّا نهى حفظا لمصالحكم ، وتكميلا لنفوسكم ﴿وَكانَ اللهُ﴾ مع ذلك لطاعتكم ﴿شاكِراً﴾ بإعطاء الأجر ، وبذل الثّواب ﴿عَلِيماً﴾ بها وبمقدار ما تستحقّون من الأجر عليها.
﴿لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكانَ اللهُ سَمِيعاً
عَلِيماً (١٤٨)﴾
ثمّ لمّا كان المنافقون التّائبون - بعد توبتهم وتخليص إيمانهم - في معرض الذّمّ والتّعيير لما سبق منهم من فساد العقيدة وسوء الأعمال ، نهى الله تعالى عن القول السّيّء بقوله : ﴿لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ﴾ والتّظاهر ﴿بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ في حقّ أحد ، سواء كان القول السّيّء سبّا أو غيبة أو بهتانا أو تعييرا ، لا
__________________
(١) تفسير روح البيان ٢ : ٣٠٩.
(٢) كذا ، والظاهر : بالأهواء ؛ لأنّ الأهوية جمع هواء ، والأهواء جمع هوى وهو المراد.