بل يبغضه من كلّ أحد ﴿إِلَّا مَنْ ظُلِمَ﴾ به واسيء إليه ، بأن يدعو على المسيء ، أو يذكر إساءته ، أو يشتكي منه بأن يقول : ضربني ظلما ، أو شتمني ، أو غصب أو سرق مالي ، أو يردّ بالشّتيمة على شاتمه.
عن الباقر عليهالسلام : « لا يحبّ الله الشّتم في الانتصار إلّا من ظلم ، فلا بأس أن ينتصر ممّن ظلمه بما يجوز الانتصار به في الدّين » (١) الخبر.
وعن الصادق عليهالسلام : « أنّه الضّيف ينزل بالرّجل ، فلا يحسن ضيافته ، [ فلا جناح عليه أن يذكر سوء ما فعله » (٢) .
وعنه عليهالسلام في هذه الآية : « ممن أضاف قوما فأساء ضيافتهم فهو ممن ظلم ] فلا جناح في ما قالوا فيه » (٣) .
وفي رواية : « إن جاءك رجل وقال فيك ما ليس فيك من الخير والثّناء والعمل الصّالح ، فلا تقبله منه وكذّبه ، فقد ظلمك » (٤) .
ثمّ هدّد المجاهر بالسّوء بقوله : ﴿وَكانَ اللهُ سَمِيعاً﴾ لاقوالكم السّيّئة ﴿عَلِيماً﴾ باستحقاقكم ومقدار جزائكم.
قيل : نزلت في أبي بكر ، فإنّ رجلا شتمه مرارا فسكت ، ثمّ ردّ عليه ، فقام النبيّ صلىاللهعليهوآله ، فقال أبو بكر : شتمني وأنت جالس ، فلمّا رددت عليه قمت ؟ فقال صلىاللهعليهوآله « إنّ ملكا كان يجيب عنك ، فلمّا رددت عليه ، ذهب ذلك الملك وجاء الشّيطان ، فلم أجلس عند مجيء الشّيطان » . فنزلت هذه الآية (٥).
﴿إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً (١٤٩)﴾
ثمّ لمّا أذن الله سبحانه في الوقوع في الظّالم ، وإساءة القول له ، رغّب في العمل بالخير والإحسان إلى الخلق ، والعفو عن إساءتهم بقوله : ﴿إِنْ تُبْدُوا﴾ وتظهروا ﴿خَيْراً﴾ وبرّا وإحسانا ﴿أَوْ تُخْفُوهُ﴾ وتسرّوه ﴿أَوْ تَعْفُوا عَنْ﴾ كلّ ﴿سُوءٍ﴾ ولا تنتقموا من الظّالم مع قدرتكم على الانتقام ، ولا تقابلوه بالقول السّيّء ، وتتخلّفوا بأخلاق الله ﴿فَإِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا﴾ عن العصاة وعن المسيء والمساء إليه مع كونه ﴿قَدِيراً﴾ على عقوبتهم والانتقام منهم فأنتم أولى بالعفو.
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ
__________________
(١) مجمع البيان ٣ : ٢٠١ ، تفسير الصافي ١ : ٤٧٦.
(٢) مجمع البيان ٣ : ٢٠٢ ، تفسير الصافي ١ : ٤٧٦.
(٣) تفسير العياشي ١ : ٤٥٣ / ١١٤١ ، تفسير الصافي ١ : ٤٧٦.
(٤) تفسير القمي ١ : ١٥٧ ، تفسير الصافي ١ : ٤٧٦.
(٥) تفسير الرازي ١١ : ٩١.