والتّسبيحات وأمثالها ، فلا يذكرونها.
هذا [ في ] كيفيّة عملهم ، وأمّا حالهم من حيث الإيمان والكفر فانّهم (١) يكونون ﴿مُذَبْذَبِينَ﴾ ومتحيّرين في الإيمان والكفر ، ومتردّدين ﴿بَيْنَ ذلِكَ﴾ المذكور لاختلاف الدّواعي في نظرهم ، فقد يرون نفعهم في موافقة المؤمنين فيكونون معهم ، وقد يرون نفعهم في موافقة الكفّار فيكونون معهم ، فلذلك ﴿لا إِلى هؤُلاءِ﴾ المؤمنين ينسبون ﴿وَلا إِلى هؤُلاءِ﴾ الكفّار يضافون ، فهم دائمون في الحيرة والضّلال في امور دينهم ودنياهم ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ﴾ ويخذله لخبث ذاته ، وعدم قابليّته للهداية ﴿فَلَنْ تَجِدَ لَهُ﴾ أبدا ﴿سَبِيلاً﴾ إلى الحقّ ، وطريقا إلى الجنّة.
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَ تُرِيدُونَ
أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً (١٤٤)﴾
ثمّ لمّا ذمّ الله سبحانه المنافقين بموالاة الكفّار ، نهى المؤمنين عنها بقوله : ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ عن صميم القلب ﴿لا تَتَّخِذُوا﴾ ولا تختاروا لأنفسكم ﴿الْكافِرِينَ﴾ الّذين هم أعداؤكم وأعداء دينكم ﴿أَوْلِياءَ﴾ وأصدقاء ﴿مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ الخلّص وبدلا منهم ، ولا تتوقّعوا منهم النّصرة ، فإنّ موالاتهم من شعار المنافقين ﴿أَ تُرِيدُونَ﴾ بهذا الصّنيع ﴿أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ على نفاقكم وفساد عقائدكم ﴿سُلْطاناً مُبِيناً﴾ وحجّة ظاهرة لا يمكنكم دفعها.
قيل : إنّ الأنصار بالمدينة كان لهم في بني قريظة رضاع وحلف ومودّة ، فقالوا : يا رسول الله ، من نتولّى ؟ فقال : « المهاجرين » فنزلت (٢) .
﴿إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً * إِلاَّ الَّذِينَ
تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ
وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (١٤٥ و ١٤٦)﴾
ثمّ ذكر سبحانه سوء حال المنافقين في الآخرة تنفيرا لقلوب المؤمنين عن موادّتهم ، بقوله : ﴿إِنَّ الْمُنافِقِينَ﴾ في الآخرة مستقرّون ﴿فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ﴾ والقعر الأنزل ﴿مِنَ النَّارِ﴾ قيل : هي الهاوية ، وعذاب من فيها أشدّ ممّن (٣) في الطّبقات السّت الاخر (٤) .
__________________
(١) في النسخة : كأنّهم.
(٢) تفسير الرازي ١١ : ٨٦.
(٣) في النسخة : من.
(٤) تفسير روح البيان ٢ : ٣٠٩.