وذلك أنّه لمّا اريد قذفه في النّار فرمي به في المنجنيق ، بعث الله إليه جبرئيل فقال له : ادرك عبدي ، فجاءه فلقيه في الهواء ، فقال : كلّفني ما بدا لك ، فقد بعثني الله لنصرتك ، فقال : بل حسبي الله ونعم الوكيل ، إنّي لا أسأل غيره ، ولا حاجة لي إلّا إليه ، فسمّاه خليله ، أي فقيره ومحتاجه والمنقطع إليه عمّا سواه » .
قال : « وإذا جعل معنى ذلك من الخلّة ؛ وهو أنّه قد تخلّل معانيه ، ووقف على أسرار لم يقف عليها غيره ، كان (١) معناه العالم به وباموره ، ولا يوجب تشبيه الله بخلقه ، ألا ترون أنّه إذا لم ينقطع إليه لم يكن خليله ؟ » (٢) .
وعن الصادق عليهالسلام : « إنّما اتّخذ الله إبراهيم خليلا لأنّه لم يرد أحدا ، ولم يسأل أحدا قطّ إلّا الله»(٣).
وعنه عليهالسلام : « لكثرة سجوده على الأرض » (٤) .
وعن النبيّ صلىاللهعليهوآله : « لإطعامه الطّعام ، وصلاته باللّيل والنّاس نيام » (٥) .
وعن الهادي عليهالسلام : « لكثرة صلاته على محمّد وأهل بيته » (٦) .
أقول : الجامع بين الأخبار هو كمال معرفته بالله ، وطاعته له.
﴿وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً (١٢٦)﴾
ثمّ لمّا كان تسمية إبراهيم بالخليل موهمة لخروجه عن العبودية ، والاحتياج في ذات الله ، دفع الله سبحانه التّوهّمين ببيان مالكيّته لجميع الموجودات ، وكمال قدرته ، بقوله : ﴿وَلِلَّهِ﴾ بالملكيّة الإشراقيّة ﴿ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ﴾ فلا يخرج أحد عن عبوديته ، ولا يحتاج إلى شيء في الوهيّته.
قيل : لمّا لم يكن فيه دلالة على علمه وقدرته بما هو خارج عن السّماوات والأرض ، أثبت علمه وقدرته غير المتناهيين بقوله : ﴿وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ﴾ من الموجودات ﴿مُحِيطاً﴾ علما وقدرة ، فيختار منها ما يشاء ، ويتفضّل بجوده على من يشاء.
﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي
يَتامَى النِّساءِ اللاَّتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ
وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ
__________________
(١) زاد في الاحتجاج : الخليل.
(٢) الاحتجاج : ٢٤ ، تفسير الصافي ١ : ٤٦٦.
(٣) علل الشرائع : ٣٤ / ٢ ، تفسير الصافي ١ : ٤٦٧.
(٤) علل الشرائع : ٣٤ / ١ ، تفسير الصافي ١ : ٤٦٧.
(٥) علل الشرائع : ٣٤ / ٤ ، تفسير الصافي ١ : ٤٦٧.
(٦) علل الشرائع : ٣٤ / ٣ ، تفسير الصافي ١ : ٤٦٧.