فَإِنَّ اللهَ كانَ بِهِ عَلِيماً (١٢٧)﴾
ثمّ لمّا وصف دين الإسلام الموافق في غالب أحكامه لملّة إبراهيم ، وكان من جهات حسن الإسلام حفظ حقوق الضّعفاء ، وكانت النّساء والأيتام أضعف النّاس وأولاهم بالرّعاية ، عاد إلى التّوصية بحفظ حقوقهم بقوله : ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ﴾ ويسألونك عن حكم الله ﴿فِي﴾ شأن ﴿النِّساءِ﴾ وما لهنّ من الميراث.
عن الباقر عليهالسلام : « سئل النبيّ صلىاللهعليهوآله عن النّساء ، وما لهنّ من الميراث ، فأنزل الله الرّبع والثّمن»(١).
روي أنّ عيينة بن حصين أتى النبيّ صلىاللهعليهوآله ، فقال : اخبرنا بأنّك تعطي الابنة النّصف والاخت النّصف ، وإنّما كنا نورث من يشهد القتال ، ويحوز الغنيمة ، فقال صلىاللهعليهوآله : « كذلك امرت » (٢) .
فأمر الله نبيّه صلىاللهعليهوآله أن يجيبهم بقوله : ﴿قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ﴾ ويبيّن لكم ما ابهم عليكم من الحكم ﴿فِيهِنَ﴾ وفي أمر إرثهنّ أن تؤتوهنّ إرثهنّ ، ﴿وَ﴾ كذا ﴿ما يُتْلى﴾ ويقرأ ﴿عَلَيْكُمْ﴾ من الآيات ﴿فِي﴾ هذا ﴿الْكِتابِ﴾ الكريم ، يوضّح لكم ﴿فِي﴾ حقّ ﴿يَتامَى النِّساءِ﴾ وفي شأن البنات ﴿اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ﴾ وفرض ﴿لَهُنَ﴾ من الميراث في آية ﴿يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾(٣) ، ﴿وَتَرْغَبُونَ﴾ في ﴿أَنْ تَنْكِحُوهُنَ﴾ لجمالهنّ ومالهنّ.
قيل : كانت اليتيمة عند الرّجل ، فإن كانت ذات جمال ومال تزوّج بها وأكل مالها ، وإن كان ذميمة فيرغب الرّجل عن أن يتزوّجها ، ولا يعطيها مالها ، ويمنعها عن النّكاح حتّى تموت ، ويرث مالها ، فنهى الله عن ذلك.
﴿وَ﴾ كذا في ﴿الْمُسْتَضْعَفِينَ﴾ والصّغار ﴿مِنَ الْوِلْدانِ﴾ هو يفتيكم أنّ تعطوا إرثهم.
قيل : إنّ أهل الجاهليّة كانوا لا يورّثون الولدان ، وكانوا يقولون : لا نورّث إلّا من قاتل ودفع عن الحريم ؛ فأنزل الله الآيات التي في أوّل السّورة وهو معنى قوله : ﴿لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَ﴾(٤) .
﴿وَ﴾ في ﴿أَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى﴾ في أموالهم وحقوقهم ﴿بِالْقِسْطِ﴾ والعدل ، وما يتلى عليكم من الكتاب في حقّهم قوله تعالى : ﴿وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ﴾(٥) .
ثمّ رغّب الله في حفظ تلك الحقوق بقوله : ﴿وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ﴾ وعمل صالح من أداة الحقوق المذكورة ، وغيره من الصّالحات ﴿فَإِنَّ اللهَ كانَ بِهِ عَلِيماً﴾ فيجازيكم عليه أحسن الجزاء.
__________________
(١) تفسير القمي ١ : ١٥٤ ، تفسير الصافي ١ : ٤٦٨.
(٢) تفسير أبي السعود ٢ : ٢٣٨.
(٣) النساء : ٤ / ١١.
(٤) مجمع البيان ٣ : ١٨٠ ، تفسير الصافي ١ : ٤٦٨.
(٥) النساء : ٤ / ٢.