﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ
الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً (١٢٤) وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ
وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً (١٢٥)﴾
﴿وَمَنْ يَعْمَلْ﴾ بعضا ﴿مَنْ﴾ الأعمال ﴿الصَّالِحاتِ﴾ فإنّ أحدا لا يقدر على كلّها ، سواء كان العامل ﴿مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ بالله ، ورسوله ، واليوم الآخر ، فإنّه لا اعتداد بالعمل من دون الإيمان ﴿فَأُولئِكَ﴾ المؤمنون العاملون ﴿يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ﴾ في الآخرة بفضل الله ورحمته ﴿وَلا يُظْلَمُونَ﴾ ولا ينقصون من ثواب أعمالهم ﴿نَقِيراً﴾ وقدرا قليلا.
قيل : النّقير : حفرة في ظهر النّواة ، منها ينبت النّخل ، ثمّ صار كناية عن غاية القلّة والحقارة.
قيل : لمّا نزلت ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ﴾ قال أهل الكتاب للمسلمين : نحن وأنتم سواء ، فنزلت هذه الآية إلى قوله : ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً﴾ .
ثمّ لمّا شرط الله الإيمان والعمل في الثّواب ، شرح الشّرطين بقوله : ﴿وَمَنْ﴾ يكون من أهل الأديان ﴿أَحْسَنُ دِيناً﴾ وأقوم طريقة ﴿مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ﴾ وأخلص قلبه ، وجعل جميع ماله ﴿لِلَّهِ﴾ وصيّر كلّه فانيا فيه ﴿وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ﴾ في العمل ﴿مِلَّةَ إِبْراهِيمَ﴾ وشريعته الموافقة لشريعة الإسلام ، حال كون ذلك التّابع ﴿حَنِيفاً﴾ ومائلا عن الأديان الباطلة والأهواء الزّائفة.
في وجه تسمية إبراهيم عليهالسلام بالخليل
ثمّ بيّن أصلحيّة إبراهيم عليهالسلام بالتّبعيّة من سائر الأنبياء بقوله : ﴿وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ﴾ واصطفاه من جميع خلقه لنفسه ﴿خَلِيلاً﴾ شديد المحبّة والطّاعة له.
قيل : لمّا اطّلع إبراهيم عليهالسلام على الملكوت الأعلى والأسفل ، ودعا قومه مرّة بعد اخرى إلى التّوحيد ، ومنعهم عن عبادة الشّمس والقمر والنّجم وعبادة الأوثان ، ثمّ سلّم نفسه للنّيران ، وولده للقربان ، وماله للضّيفان ، جعله الله إماما للخلق ورسولا إليهم ، وبشّره بأنّ الملك والنّبوّة في ذرّيّته.
فلهذه الاختصاصات سمّاه خليلا ؛ لأنّ محبّة الله لخلقه عبارة عن إيصال الخيرات والمنافع إليه.
عن الصادق عليهالسلام : « اتّخذ الله إبراهيم عبدا قبل أن يتّخذه نبيّا ، وأنّ الله اتّخذه نبيّا قبل أن يتّخذه رسولا ، وأنّ الله اتّخذه رسولا قبل أن يتّخذه خليلا ، وأنّ الله اتّخذه خليلا قبل أن يتّخذه إماما»(١).
عن النبيّ صلىاللهعليهوآله ، في حديث : « قولنا : إنّ إبراهيم خليل الله ، فإنّما هو مشتقّ من الخلّة ، والخلّة إنّما معناه : الفقر والفاقة ، فقد كان خليلا إلى ربّه فقيرا ، وإليه منقطعا ، وعن غيره متعفّفا معرضا مستغنيا ،
__________________
(١) الكافي ١ : ١٣٣ / ٢ ، تفسير الصافي ١ : ٤٦٦.