﴿لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ
دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (١٢٣)﴾
ثمّ لمّا كان من تسويلات الشيطان تغرير الإنسان بكرم الله ، وأنّ الله يعفو عن السّيّئات ، ويدخل الجنّة بلا عمل ، نبّه الله النّاس بأنّ الثّواب إنّما يكون بالإيمان والعمل ، لا بالامنية ، بقوله : ﴿لَيْسَ﴾ النّجاة من النّار ، والدّخول في الجنّة ﴿بِأَمانِيِّكُمْ﴾ وغروركم بأنّ الله لا يعذّبكم ، بل يدخلكم الجنّة بفضله ﴿وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ﴾ حيث إنّهم يقولون : لا يعذّبنا الله إلّا أيّاما معدودة ، بل الثّواب والعقاب دائران مدار العمل ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً﴾ ويرتكب ذنبا ﴿يُجْزَ بِهِ﴾ إمّا في الدّنيا ، أو في الآخرة ، أو فيهما.
وقيل : إنّ المعنى : ليس الإيمان بالتّمنّي ، ولكن ما وقر في القلب وصدّقه العمل (١) .
وعن القمّي رحمهالله : ليس ما تتمنّون أنتم ولا أهل الكتاب أن لا تعذّبون بأفعالكم (٢) .
في ( العيون ) : أنّ إسماعيل قال للصّادق عليهالسلام : [ يا أبتاه ] ما تقول في المذّنب منّا ومن غيرنا ؟
فقال عليهالسلام : ﴿لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ﴾(٣) .
﴿وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا﴾ وشفيعا ﴿وَلا نَصِيراً﴾ ومدافعا يدفع عنه العذاب.
عن أبي هريرة : لمّا نزلت الآية بكينا وحزنّا وقلنا : يا رسول الله ، ما أبقت هذه الآية من شيء ، فقال : « أما والذي نفسي بيده إنّها لكما نزلت ، ولكن ابشروا وقاربوا وسدّدوا ، إنّه لا يصيب أحدا منكم مصيبة إلّا كفّر الله بها خطيئته ، حتّى الشّوكة يشاكها أحدكم في قدمه » (٤) .
أقول : معنى قاربوا وسدّدوا : اقصدوا في اموركم ، واطلبوا بأعمالكم السّداد والاستقامة ، من غير غلوّ ولا تقصير.
عن الباقر عليهالسلام : « لمّا نزلت هذه الآية ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ﴾ قال بعض : يا رسول الله ، ما أشدّها من آية ! فقال لهم رسول الله صلىاللهعليهوآله : « أما تبتلون في أنفسكم وأموالكم وذراريكم ؟ » . قالوا : بلى ، قال : « هذا ممّا يكتب الله لكم [ به ] الحسنات ، ويمحو به السّيّئات » (٥) .
وفي ( الكافي ) : عنه عليهالسلام : « أنّ الله تعالى إذا كان من أمره أن يكرم عبدا وله ذنب ابتلاه بالسّقم ، فإن لم يفعل ذلك به ابتلاه بالحاجة ، فإن لم يفعل ذلك به شدّد عليه الموت ، ليكافئه بذلك الذّنب »(٦).
__________________
(١) تفسير روح البيان ٢ : ٢٩٠.
(٢) تفسير القمي ١ : ١٥٣ ، تفسير الصافي ١ : ٤٦٤.
(٣) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ٢ : ٢٣٤ / ٥ ، تفسير الصافي ١ : ٤٦٤.
(٤) مجمع البيان ٣ : ١٧٦ ، تفسير الصافي ١ : ٤٦٥.
(٥) تفسير العياشي ١ : ٤٤٥ / ١١٢٣ ، تفسير الصافي ١ : ٤٦٥.
(٦) الكافي ٢ : ٣٢٢ / ١ ، تفسير الصافي ١ : ٤٦٥.