ثمّ نبّه سبحانه النّاس ببطلان امنياته ، وكذب عداته ، بقوله : ﴿يَعِدُهُمْ﴾ الشّيطان بوسوسته ﴿وَيُمَنِّيهِمْ﴾ بالأماني الباطلة ﴿وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ﴾ وعدا ﴿إِلَّا﴾ كان ﴿غُرُوراً﴾ وكذبا مورثا لمن اعتراه الحسرة الأبديّة.
قيل : إنّ الغرور : إظهار النّفع في ما فيه الضّرر (١) .
عن الصادق عليهالسلام : « لمّا نزلت هذه الآية ﴿الَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ﴾(٢) صعد إبليس جبلا بمكّة يقال له ثور ، فصرخ بأعلى صوته بعفاريته فاجتمعوا إليه ، فقالوا : يا سيّدنا ، لم دعوتنا ؟ قال : نزلت هذه الآية ، فمن لها ؟ فقام عفريت من الشّياطين فقال : أنا لها بكذا وكذا. قال : لست لها. فقام آخر فقال مثل ذلك ، فقال : لست لها. فقال الوسواس الخنّاس : أنا لها. قال : بماذا ؟ قال : أعدهم وامنّيهم حتّى يواقعوا الخطيئة ، [ فإذا واقعوا الخطيئة ] أنسيتهم الاستغفار.
فقال : أنت لها. فوكّله بها إلى يوم القيامة » (٣) .
﴿أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً (١٢١)﴾
ثمّ أوعد الله سبحانه أولياء الشّيطان بالعذاب الدّائم بقوله : ﴿أُولئِكَ﴾ الضّالّون المغرّرون ﴿مَأْواهُمْ﴾ ومنزلهم في الآخرة ﴿جَهَنَّمُ﴾ حال كونهم خالدين فيها ﴿وَلا يَجِدُونَ﴾ لأنفسهم مهربا ﴿عَنْها﴾ ولا ﴿مَحِيصاً﴾ وملجأ.
﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ
خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً (١٢٢)﴾
ثمّ أردف سبحانه الوعيد بوعد المؤمنين بقوله : ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ بوحدانيّة الله ، ورسالة رسوله ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ﴾ لوجه الله ﴿سَنُدْخِلُهُمْ﴾ في الآخرة جزاء على إيمانهم وعملهم الصّالح ﴿جَنَّاتٍ﴾ ذات أشجار ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ﴾ حال كونهم ﴿خالِدِينَ فِيها أَبَداً﴾ دائما.
ثمّ لمّا كذّب مواعيد الشّيطان أكّد سبحانه صدق مواعيد ذاته المقدّسة بقوله : ﴿وَعْدَ اللهِ﴾ قيل : إنّ المعنى وعد الله وعدا ، وحقّ ذلك ﴿حَقًّا﴾ ثمّ بالغ في التأكيد بقوله : ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً﴾ وخبرا.
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٢ : ٢٣٤.
(٢) آل عمران : ٣ / ١٣٥.
(٣) أمالي الصدوق : ٥٥١ / ٧٣٦ ، تفسير الصافي ١ : ٤٦٤.