أعمى : يا رسول الله ، فكيف بمن لا يستطيع الجهاد من المؤمنين ؟ فغشيته السّكينة كذلك ، ثمّ سرّي عنه فقال : « اكتب » : ﴿لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ ...﴾ قال زيد : أنزلها الله وحدها فألحقتها (١) .
أقول : فيه دلالة على أنّ اولي الضّرر مساو للمجاهدين.
ثمّ لم يكتف سبحانه في ترغيب المجاهدين بذكر عدم مساواتهم للقاعدين ، بل صرّح بتفضيلهم على القاعدين بقوله : ﴿فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ﴾ الأصحّاء ﴿دَرَجَةً﴾ عظيمة من الأجر.
ثمّ أكّد جواز القعود عند قيام من به الكفاية بقوله : ﴿وَكُلًّا﴾ من القاعدين والمجاهدين ﴿وَعَدَ اللهُ﴾ بفضله العاقبة أو المثوبة ﴿الْحُسْنى﴾ لحسن عقيدتهم ، وخلوص نيّتهم ، وحضورهم لطاعة ربّهم ، وإنّما التّفاوت بزيادة العمل الموجبة لزيادة الثّواب.
ثمّ أكّد فضيلة المجاهدين بقوله : ﴿وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ﴾ الأصحّاء ﴿أَجْراً عَظِيماً﴾ وثوابا جزيلا. ثمّ فضّل الله الأجر العظيم والدّرجة المبهمة بقوله : ﴿دَرَجاتٍ﴾ رفيعة في الجنّة كائنة ﴿مِنْهُ﴾ تعالى قيل : عددها سبعون ، ما بين كلّ درجتين عدو الفرس الجواد المضمر سبعين خريفا ، وقيل : سبعمائة.
وروي أنّ في الجنّة مائة درجة أعدّها الله للمجاهدين في سبيله ، ما بين الدّرجتين كما بين السّماء والأرض (٢) .
أقول : يمكن أن يكون الاختلاف لاختلاف المجاهدين في الإيمان ، وخلوص النّيّة.
﴿وَمَغْفِرَةً﴾ لما يصدر منهم من الزّلّات والخطايا في مدّة أعمارهم ﴿وَرَحْمَةً﴾ عظيمة من الله لا توصف ببيان.
ثمّ قرّر المغفرة والرّحمة بقوله : ﴿وَكانَ اللهُ غَفُوراً﴾ للعاصين ﴿رَحِيماً﴾ بالمؤمنين ، وأفضلهم المجاهدون.
في إثبات أفضلية أمير المؤمنين عليهالسلام وردّ الفخر القائل بأفضلية أبي بكر منه
ثمّ اعلم أنّ في الآية دلالة واضحة على أنّ المجاهد من حيث المجاهدة أفضل من القاعد عنها ، وإن كان القاعد من جهة الكمالات الاخر المعنويّة قد يكون أفضل ، وعلى هذا يجب الحكم بأفضليّة المجاهد على القاعد ، حتّى يثبت للقاعد جهة فضيلة مكافئة لفضيلة المجاهدة ، أو راجحة عليها ، وقد ثبتت الجهة الرّاجحة لرسول
__________________
(١) تفسير روح البيان ٢ : ٢٦٥.
(٢) تفسير روح البيان ٢ : ٢٦٦.