فقال صلىاللهعليهوآله : « لا تقتله ، فإن قتلته فإنّه بمنزلتك بعد أن تقتله ، وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال» (١) .
أقول : لا منافاة بين الرّوايات ، لجواز نزولها عند وقوع جميعها ، فكان كلّ منهم زعم أنّها نزلت في واقعته.
﴿لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ
اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى
الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى
الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً * دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكانَ اللهُ غَفُوراً
رَحِيماً (٩٥) و (٩٦)﴾
ثمّ أنّه تعالى - بعد ما بين حكم قتل المؤمن في الجهاد خطأ ، وحكم وجوب التّبيين (٢) ، ووجوب الاكتفاء في إحراز الإيمان بالظّاهر - بيّن أنّ الجهاد من الواجبات الكفائيّة ، فيجوز القعود عنه مع قيام من به الكفاية ، ولكن غاية الفضل والثّواب للقائمين به بقوله : ﴿لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ﴾ والمتخلّفون عن الجهاد ، حال كونهم ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ وكونهم ﴿غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ﴾ من مرض ، أو عمى ، أو عرج ، أو غيرها من الأعذار ﴿وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ﴾ في القرب عند الله ، والأجر في الآخرة وفيه إشعار بجواز القعود عن الجهاد ، إذا كان القائمون به كافين له ، والتّرغيب في القيام به.
روي أنّها نزلت في كعب بن مالك من بني سلمة ، ومرارة بن الربيع من بني عمرو بن عوف ، وهلال بن اميّة من بني واقف ، تخلّفوا عن رسول الله صلىاللهعليهوآله يوم تبوك (٣) .
وروي عن زيد بن ثابت أنّه قال : كنت إلى جنب رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فغشيته السّكينة ، فوقعت فخذه على فخذي حتّى خشيت أن ترضّها ، ثمّ سرّي عنه ، وازيل عنه ما عرض له من شدّة الوحي ، فقال : « اكتب » فكتبت ﴿لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ والمجاهدون » ، فقال ابن [ امّ ] مكتوم (٤) وكان
__________________
(١) تفسير الرازي ١١ : ٣.
(٢) كذا ، والظاهر أن الصحيح : التبيّن.
(٣) مجمع البيان ٣ : ١٤٧ ، تفسير الصافي ١ : ٤٤٩.
(٤) وهو عمرو بن قيس بن زائدة بن الأصمّ القرشي العامري ، وام مكتوم امّه ، واسمها عاتكة بنت عبد الله ، وهو خال امّ المؤمنين خديجة بنت خويلد عليهاالسلام ، فإن امّها فاطمة بنت زائدة بن الأصم ، وقد اختلف في اسمه فقيل : عبد الله ، والأكثر عمرو ، وكان النبيّ صلىاللهعليهوآله يستخلفه على المدينة ليصلي بالنّاس ، وكان ضرير البصر ، شهد القادسية وهو أعمى ، وقتل فيها سنة ٢٣ ه . اسد الغابة ٤ : ١٢٧ ، الأعلام للزركلي ٥ : ٨٣.