الصحّة والفساد فكون جميع عباراته بطولها في أعلى درجة الفصاحة ، ومطالبه مع كثرتها في غاية الصّحّة والمتانة ، دليل قاطع على أنّه كلام الله ، لا كلام البشر ، لقضاء العادة بأن كلام البشر لا يخلو من الاختلاف في الفصاحة إذا كان طويلا ، والأخبار الغيبيّة الحدسيّة لا تخلو من عدم مطابقة بعضها للواقع ، ومطالبه العلميّة الكثيرة لا تخلو عن بطلان بعضها.
﴿وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي
الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ
وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلاَّ قَلِيلاً (٨٣)﴾
ثمّ أنّه تعالى لمّا أمّن نبيّه من شرّ المنافقين ، وأحكم أساس نبوّته بالإشارة إلى وجه إعجاز كتابه ، أخبره بإفساد المنافقين في المسلمين بقوله : ﴿وَإِذا جاءَهُمْ﴾ وبلغهم من سرايا المسلمين ، أو من طرف المشركين ﴿أَمْرٌ﴾ وشيء ﴿مِنَ الْأَمْنِ﴾ للمسلمين كالظّفر على الأعداء ، أو تقاعد المشركين عن حربهم ﴿أَوِ﴾ من ﴿الْخَوْفِ﴾ كنكبة المسلمين وضعفهم ، أو هزيمتهم عن العدوّ ، أو تجمّع الكفّار لحربهم ، فهم بمحض سماع الخبر ﴿أَذاعُوا بِهِ﴾ وأفشوه بين المسلمين ، من غير تحقيق عن صدقه ، ومن غير ملاحظة للصّلاح في إفشائه ، فقد يكون في إفشائه تغرير المسلمين ، أو تخويفهم من العدوّ ، وضعفهم في المعارضة أو في الإيمان ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ﴾ وفوّضوه ﴿إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ﴾ وأهل البصيرة والعلم ﴿مِنْهُمْ﴾ وإلى نظرهم في تحقيق الصّدق ، وتشخيص الصّلاح في الإفشاء ، والتّدبير في كيفيّة الذّكر ، وطلبوا معرفة الحال من جهتهم ﴿لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ﴾ ويستخرجون واقع الأمر ﴿مِنْهُمْ﴾ بأنظارهم الصّائبة ، ومعرفتهم الكاملة بحقائق الأمور.
قيل : كان قوم من ضعفه المسلمين إذا بلغهم خبر من سرايا رسول الله صلىاللهعليهوآله ، أو أخبرهم الرّسول بما اوحي إليه من وعد بالظّفر ، أو تخويف من الكفرة ، أذاعوا به لعدم حزمهم ، وكانت إذاعتهم مفسدة(١) .
وقيل : كانوا يسمعون أراجيف المنافقين فيذيعونها فيعود وبالا على المسلمين ، ولو ردّوه إلى الرّسول صلىاللهعليهوآله وإلى اولي الأمر منهم حتّى يسمعوا منهم ، ويعرفوا هل يذاع لعلم ذلك من هؤلاء الّذين يستنبطونه من الرّسول صلىاللهعليهوآله واولي الأمر (٢) .
عن الباقر عليهالسلام : « هم الأئمّة المعصومون عليهمالسلام » (٣) .
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٢ : ٢٠٨.
(٢) تفسير أبي السعود ٢ : ٢٠٩.
(٣) جوامع الجامع : ٩٢ ، تفسير الصافي ١ : ٤٣٩.