النّصارى عيسى ، فأنزل الله هذه الآية (١) .
ثمّ هدّد الله سبحانه المعرضين عن طاعته ، بقوله : ﴿وَمَنْ تَوَلَّى﴾ وأعرض عن طاعتك ﴿فَما أَرْسَلْناكَ﴾ كي تكون ﴿عَلَيْهِمْ حَفِيظاً﴾ ومراقبا لأعمالهم ، ومحاسبا لهم ، بل إنّما عليك البلاغ وعلينا الحساب ، ووظيفتك الإرشاد بالبيان وإلينا الهداية بالتّوفيق ، فلا تحرص على زجرهم عن العصيان ، ولا تغتمّ بسبب إعراضهم عن الطّاعة.
﴿وَيَقُولُونَ طاعَةٌ فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللهُ
يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً (٨١)﴾
ثمّ وبّخ الله سبحانه المنافقين بإظهار الطّاعة ، وإبطال المخالفة ، بقوله : ﴿وَيَقُولُونَ﴾ حين تأمرهم بشيء : شأننا ﴿طاعَةٌ﴾ خالصة دائمة ﴿فَإِذا بَرَزُوا﴾ خرجوا ﴿مِنْ عِنْدِكَ﴾ وخلوا إلى أنفسهم ﴿بَيَّتَ﴾ ودبّر ﴿طائِفَةٌ مِنْهُمْ﴾ وهم السّاعون في مخالفتك أمرا ﴿غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ﴾ لهم وتأمرهم به ﴿وَاللهُ يَكْتُبُ﴾ في صحائف أعمالهم ﴿ما يُبَيِّتُونَ﴾ ويدبّرون من مخالفتك وعصيانك ، فيجازيهم به ، ويعاقبهم عليه أشدّ العقاب ﴿فَأَعْرِضْ﴾ أنت ﴿عَنْهُمْ﴾ ولا تتعرّض لعقوبتهم ، وهتك سترهم ، وتفضيحهم بذكر أسمائهم ، حتّى يستقيم أمرك وأمر دينك ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ﴾ في شأنهم ، فإن الله يكفيك شرّهم ﴿وَكَفى﴾ لك ﴿بِاللهِ وَكِيلاً﴾ وكافيا لحفظك وجميع امورك.
﴿أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً
كَثِيراً (٨٢)﴾
ثمّ لمّا كان نفاق المنافقين لعدم اعتقادهم بصدق الرّسول مع ظهور معجزاته خصوصا القرآن المجيد الذي هو أعظمها ، وكان لعدم التّدبّر فيه ، حثّهم عليه بقوله : ﴿أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾ وهلّا يتأمّلون في إعجاز بيانه وعلوّ مطالبه ، حتّى يظهر لهم بهذه المعجزة العظيمة صدق محمّد صلىاللهعليهوآله في دعوى الرّسالة.
في أحد وجوه إعجاز القرآن
ثمّ أرشدهم إلى أحد وجوه إعجازه بقوله : ﴿وَلَوْ كانَ﴾ هذا القرآن ﴿مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ﴾ وكلاما صادرا من البشر ، كما زعمه الكفّار ﴿لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً﴾ وتفاوتا فاحشا في عباراته من جهة الفصاحة والأسلوب ، وفي مطالبه من جهة
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٢ : ٢٠٦ ، تفسير الصافي ١ : ٤٣٧.