ثمّ أنّه تعالى بعد التّنبيه على أنّ إيجاد الحسنات والسّيّئات كلّها بيده وعن إرادته ، نبّه على اختلاف أسبابها بقوله : ﴿ما أَصابَكَ﴾ أيّها الإنسان ﴿مِنْ حَسَنَةٍ﴾ من الحسنات ، ومن خير من الخيرات ﴿فَمِنَ اللهِ﴾ وبتفضّله وإحسانه ، أو بحكمة الامتحان ﴿وَما أَصابَكَ﴾ وورد عليك ﴿مِنْ سَيِّئَةٍ﴾ وبليّة ﴿فَمِنْ نَفْسِكَ﴾ وبسبب سيئاتك ومعاصيك ، وإن كان إيجادها أيضا من الله.
عن الرضا عليهالسلام : « قال الله : [ يا ] ابن آدم [ بمشيئتي ] كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء [ و] بقوّتي أدّيت فرائضي ، وبنعمتي قويت على معصيتي ، جعلتك سميعا بصيرا قويّا ، ما أصابك من حسنة فمن الله ، وما أصابك من سيّئة فمن نفسك ، وذلك أنّي أولى بحسناتك منك ، وأنت أولى بسيّئاتك منّي ، وذلك أنّي لا اسأل عمّا أفعل وهم يسألون » (١) .
وعن عائشة : ما من مسلم يصيبه وصب ولا نصب ، حتّى الشّوكة يشاكها ، وحتّى انقطاع شسع نعله ، إلّا بذنب ، وما يغفر الله أكثر (٢) .
أقول : حاصل المستفاد من [ الآية ] الكريمة أنّ جميع ما يصيب الإنسان سواء أكان من الحسنات أو من السّيّئات ، فبإيجاد الله تعالى ، لا يشركه أحد في إيجاده. وأمّا سببها فما كان من الحسنات فبسبب التّفضّل ، وقابليّة الفيض ، وامتحان العبد ، وما كان من السّيّئات فبسبب استحقاق العقوبة على المعاصي الحاصلة بالشّهوات النّفسانيّة.
ثمّ لمّا كان بيان هذا المطلب العالي بعبارة وافية من أدلّة الرّسالة ، أعلن سبحانه برسالته ، بقوله : ﴿وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ﴾ جميعا العرب والعجم ، والأبيض والأسود ﴿رَسُولاً﴾ ومبلّغا عن الله ، والمعجزات التي أتيتها شهادة الله على رسالتك وصدقك ﴿وَكَفى بِاللهِ﴾ للنّاس ﴿شَهِيداً﴾ ومصدّقا ؛ فلا ينبغي لأحد التّشكيك في صدقك والخروج عن طاعتك.
﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً (٨٠)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد الاستدلال على رسالته ، أكّد وجوب طاعته بقوله : ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ﴾ في أوامره ونواهيه ﴿فَقَدْ أَطاعَ اللهَ﴾ في الحقيقة ، لكونه مبلّغا عنه ، والله أمر بطاعته.
قيل : إنّ النبي صلىاللهعليهوآله كان يقول : « من أحبّني فقد أحبّ الله ، ومن أطاعني فقد أطاع الله » ، فقال المنافقون : لقد قارب (٣) هذا الرّجل الشّرك ، إنّه ينهى أن يعبد غير الله ، ويريد أن نتّخذه ربّا كما اتّخذت
__________________
(١) الكافي ١ : ١٢٢ / ١٢ ، تفسير الصافي ١ : ٤٣٧ عن الصادق عليهالسلام.
(٢) تفسير أبي السعود ٢ : ٢٠٦ ، تفسير روح البيان ٢ : ٢٤٢.
(٣) في تفسير أبي السعود والصافي : قارف.