فنهى سبحانه عن ظلم المرأه بالأخذ من مهرها ، وإن كان في غاية الكثرة ، وأنكر على الأزواج أخذهم من مهورهنّ بسبب رميهنّ بالفاحشة ، بقوله : ﴿أَ تَأْخُذُونَهُ﴾ بسبب أن تتّهموهنّ ﴿بُهْتاناً وَ﴾ ترتكبون بالبهتان ، ورميهنّ بالفاحشة ، وبظلمهنّ بأخذ صداقهنّ ﴿إِثْماً مُبِيناً﴾ وذنبا ظاهرا عظيما ، فإنّ البهتان والظّلم من أكبر الكبائر.
في دلالة الآية على جواز المقالات في المهر
قالوا : الآية تدلّ على جواز المغالاة في المهر (١) .
وروى الفخر الرازي : أنّ عمر قال على المنبر : ألا لا تغلوا (٢) في مهور نسائكم ، فقامت امرأة فقالت : يا بن الخطّاب ، الله يعطينا وأنت تمنعنا ! وتلت هذه الآية ، فقال عمر : كلّ النّاس أفقه من عمر ، ورجع عن كراهة المغالاة (٣) .
أقول : تقريب دلالة الآية على الجواز أنّ النّهي عن الأخذ منه دالّ على صحّة جعل القنطار مهرا وتملّكهنّ له بالعقد ، ولا معنى للجواز وعدمه في المقام إلّا الصّحّة وعدمها ، والحرمة للأمر الخارج والجهة العرضيّة ، كحرمة البيع وقت النّداء وإن كان ممكنا ، إلّا أنّها محتاجة إلى الدّليل المعتبر (٤) ، بل في الآية إشعار بعدمها ، ويشهد لما ذكر فهم المرأة وجميع الحاضرين في المسجد ذلك ، ورجوع عمر عن قوله.
ولا معنى للدّلالة إلّا فهم العرب من الكلام ، والعجب مع ذلك من الفخر أنّه بعد نقل الرّواية قال : وعندي أنّ الآية لا دلالة فيها على جواز المغالاة (٥) ... إلى آخره.
﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً
غَلِيظاً (٢١)﴾
ثمّ بالغ سبحانه في إنكار الأخذ من المهر بجعله لشدّة الشّناعة محلّا للتّعجّب ، بقوله : ﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ﴾ منهنّ ، ولأيّ سبب تستردّون شيئا ممّا استحللتم به فروجهنّ بطيب أنفسكم ؟ ! والحال أنّه ﴿وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ﴾ واستمتع كلّ منكما - بالجماع وغيره من وجوه الاستمتاع - من الآخر ، وحصلت بينكما الالفة التّامّة والقرابة الكاملة ، حيث إنّ العرب يقولون : صحبة عشرين يوما قرابة (٦) . فكيف بما يجري بين الزوجين من الاتّحاد والامتزاج ؟
﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ﴾ على الصّداق مع ذلك الإفضاء والاتّصال ﴿مِيثاقاً غَلِيظاً﴾ وعهدا وكيدا. عن ابن
__________________
(١) تفسير الرازي ١٠ : ١٣.
(٢) في المصدر : تغالوا.
(٣) تفسير الرازي ١٠ : ١٣.
(٤) زاد في النسخة : وليس ، ولا يصح.
(٥) تفسير الرازي ١٠ : ١٣.
(٦) تفسير الرازي ١٠ : ١٧.