موته ، كما قال تعالى : ﴿ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ﴾(١) فإنّ فيه دلالة على أنّ التّمادي في العصيان والأعمال السّيّئة موجب لطبع القلب وقساوته ، ومخرج المعاصي من نور الإيمان إلى ظلمات الكفر والتّكذيب بآيات الله ، بل في بعض الرّوايات أنّ أثر بعض المعاصي - كترك الصّلاة ، ومنع الزّكاة - ذلك ، مثل ما روي من أنّه يقال لمانع الزّكاة عند موته : مت يهوديّا أو نصرانيّا (٢) .
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا
بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ
كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (١٩)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد التّشديد على النّساء في إرتكاب الفاحشة ، والوعد بقبول التّوبة ، وبيان شروط قبولها ، عاد إلى بيان وجوب رعاية النّساء والنّهي عن التّعدي عليهم بإجبارهنّ على التّزويج ، ومنعهنّ من اختيارهنّ الأزواج ، بقوله : ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله واليوم الآخر ﴿لا يَحِلُّ لَكُمْ﴾ في شرع الإسلام ﴿أَنْ تَرِثُوا﴾ من أقاربكم ﴿النِّساءَ﴾ والزّوجات ، وتتملّكوا أزواجهم للاستمتاع ، كما تتملّكون أموالهم بعنوان الميراث ﴿كَرْهاً﴾ منهم ، وبغير رضاهنّ بالنّكاح.
قيل : كان الرّجل في الجاهليّة إذا مات وكانت له زوجة ، جاء ابنه من غيرها ، أو بعض أقاربه فألقى ثوبه على المرأة وقال : ورثت زوجته كما ورثت ماله. فصار
أحقّ بها من سائر النّاس ومن نفسها ، فإن شاء تزوّجها بغير صداق إلّا الصّداق الذي أصدقها الميّت ، وإن شاء زوّجها من إنسان آخر ، وأخذ صداقها ولم يعطها منه شيئا ، فنهى الله عن إرث عين النّساء (٣) .
وقيل : إنّه كان لوارث الميّت أن يحبس زوجته حتّى تموت ويرث مالها ، أو يضيّق عليها حتّى تفتدي بما ورثت من زوجها (٤) ، فنهى الله عنه بقوله : ﴿وَلا تَعْضُلُوهُنَ﴾ وتحبسوهنّ وتضيّقوا عليهنّ ﴿لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَ﴾ وأعطيتموهنّ من الصّداق والميراث ، وتأخذوه منهنّ فداء من أنفسهن.
وقيل : إنّه كان الرّجل إذا كره زوجته أساء عشرتها ، وضيّق عليها حتّى تفتدي منه بمهرها ، فنهى الله
__________________
(١) الروم : ٣٠ / ١٠.
(٢) المحاسن : ٨٧ / ٢٨ ، عقاب الأعمال : ٢٣٦.
(٣) تفسير الرازي ١٠ : ١٠.
(٤) تفسير روح البيان ٢ : ١٨١.