والغفلة عن سوء العاقبة ، لا بسبب الكفر والطّغيان ، وعدم الاعتقاد بالمبدأ والمعاد ؛ فإنّ الكافر لا تقبل توبته من الأعمال السّيّئة مع بقائه على الكفر.
فتحصّل من تقييد قبول التّوبة عن المعصية بكونها مسبّبة عن جهالة أنّ تحتّم القبول على الله مشروط بكون العمل السيّء صادرا عن السفاهة ، وعدم التّدبّر في سوء عاقبته ، لا عن الجهل المركّب بالمبدأ والمعاد ، أو البسيط.
عن الصادق عليهالسلام : « كلّ ذنب عمله العبد وإن كان عالما فهو جاهل حين خاطر بنفسه في معصية ربّه ، فقد حكى الله سبحانه قول يوسف لإخوته : ﴿هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ ﴾(١) .
ثمّ بيّن سبحانه الشّرط الثّاني بقوله : ﴿ثُمَّ يَتُوبُونَ﴾ ويرجعون إلى النّدم والتّوجّه إلى الله في جزء ﴿مِنْ﴾ زمان ﴿قَرِيبٍ﴾ من المعصية ، ولا يؤخّرونها إلى زمان حضور الموت ، ومشاهدة عالم البرزخ ، ومعاينة أهواله.
وتسمية هذا الزّمان قريبا ، لأنّه آت ، وكلّ آت قريب ، ولوجوب انتظار الإنسان موته في كلّ آن ، ويحسبه قريبا ، ويبادر إلى التّوبة.
روي أنّ إبليس لمّا هبط قال : وعزتك [ وجلالتك ] وعظمتك ، لا افارق ابن آدم حتّى تفارق روحه جسده ، فقال الله عزوجل : وعزّتي وعظمتي [ وجلالي ] لا أحجب التّوبة عن عبدي حتّى يغرغر (٢) بها (٣) .
وفي ( الفقيه ) : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله ، في آخر خطبة خطبها : « من تاب قبل موته بسنة تاب الله عليه » ثمّ قال : « وإنّ السّنة لكثير ، من تاب قبل موته بشهر تاب الله عليه » ثمّ قال : « وإنّ الشّهر لكثير [ من تاب قبل موته بجمعة تاب الله عليه » ثمّ قال : « إنّ الجمعة لكثير ] من تاب قبل موته بيوم تاب الله عليه » ثمّ قال : « وإن اليوم بكثير ، من تاب قبل موته بساعة تاب الله عليه » ثمّ قال : « وإنّ السّاعة لكثير ، من تاب [ قبل موته ] وقد بلغت نفسه هذه » وأهوى بيده إلى حلقه « تاب الله عليه»(٤).
قيل : إن كلمة ( من ) هنا ، ليس للتّبعيض ، بل هي لابتداء الغاية ، والمعنى : يجعل مبتدأ توبته زمانا قريبا من المعصية ؛ لئلا يقع في زمرة المصرّين (٥) .
__________________
(١) مجمع البيان ٣ : ٣٦ ، تفسير الصافي ١ : ٣٩٨ ، والآية من سورة يوسف : ١٢ / ٨٩.
(٢) في النسخة : يرغرغ ، ومعنى الغرغرة هنا تردد الروح في الحلق.
(٣) مجمع البيان ٣ : ٣٧.
(٤) من لا يحضره الفقيه ١ : ٧٩ / ٣٥٤ ، تفسير الصافي ١ : ٣٩٩.
(٥) تفسير الرازي ١٠ : ٥.