قد مرّ في بعض الطّرائف أنّ المراد بالنّسخ هنا غير معناه المصطلح (١) .
قيل : إنّ المراد بالسّبيل هو النّكاح المغني عن السّفاح (٢) .
﴿وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللهَ كانَ
تَوَّاباً رَحِيماً (١٦)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان العقوبة المختصّة بالمرأة الزّانية ، بيّن العقوبة المشتركة بين الرّجل والمرأة إذا زنيا بقوله : ﴿وَالَّذانِ﴾ يرتكبان الفاحشة و﴿يَأْتِيانِها مِنْكُمْ﴾ سواء كانا بكرين أو ثيّبين ﴿فَآذُوهُما﴾ بالتّوبيخ والتّعيير.
عن ابن عبّاس رضى الله عنه : [ هو التعيير باللسان و] الضرب بالنعال (٣) .
﴿فَإِنْ تابا﴾ وندما عن فعلهما القبيح ﴿وَأَصْلَحا﴾ والتزما بحسن العمل ﴿فَأَعْرِضُوا عَنْهُما﴾ واتركوا إيذاءهما ؛ فإنّه يرتفع بالتّوبة استحقاق العقوبة ﴿إِنَّ اللهَ كانَ﴾ بكرمه ﴿تَوَّاباً﴾ مبالغا في قبول التّوبة ، عائدا على التّائبين بالفضل والمغفرة ﴿رَحِيماً﴾ بهم.
قيل : إنّ المراد من الآية الاولى الثّيّبات ، ومن الثانية الأبكار من الرّجال والنّساء (٤) ؛ لأنّ العذاب في الثّانية أخفّ من الاولى.
وقيل : إنّ الاولى في السّحّاقات ، والثانية في أهل اللّواط (٥) .
والقولان مخالفان لروايات الخاصّة والعامّة ، وعلى أيّ تقدير لا شبهة في أنّ الآية الثّانية منسوخة بآيات الحدّ.
﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ
فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٧)﴾
ثمّ أنّه تعالى لمّا ذكّر أنّ التّوبة ماحية للذّنوب رافعة للعقوبة ، حثّ العصاة عليها ببيان إيجابه قبول التّوبة على نفسه ؛ بقوله : ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ﴾ واجبة القبول ﴿عَلَى اللهِ﴾ لكمال حسنه عقلا ، واقتضاء كرمه ، وسعة رحمته ، قبولها وامتناع ردّها - وهذا أشدّ مراتب الوجوب - ﴿لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ﴾ والعصيان صغيرا كان أو كبيرا ، ولكن إذا كان ارتكابهم له ﴿بِجَهالَةٍ﴾ وسفاهة ، وغلبة الهوى ، وإعانة النّفس ،
__________________
(١) راجع الطرفة (٢٠) .
(٢) تفسير البيضاوي ١ : ٢٠٥.
(٣) مجمع البيان ٣ : ٣٥.
(٤) تفسير الرازي ٩ : ٢٣٥.
(٥) تفسير البيضاوي ١ : ٢٠٦.