قيل : إنّ العرب كانوا في الجاهليّة لا يورّثون الزّوجة من تركة زوجها ، فنسخه الله سبحانه بحكمه بالتّوارث.
ولمّا كان الحكم بإرث الزّوجة ثقيلا على الطّباع ، قدّم بيان حكم إرث الأزواج ، تطييبا لقلوبهم ، وإظهارا لفضلهم بقوله : ﴿وَلَكُمْ﴾ أيّها الأزواج بجهة الإرث ﴿نِصْفُ﴾ جميع ﴿ما تَرَكَ﴾ وخلّف ﴿أَزْواجُكُمْ﴾ ونساؤكم المنكوحات بالنّكاح الدّائم ، دون المنقطع على الأصحّ ، من الأموال كانت عقارا أو غيرها ، منقولة أو غيرها ﴿إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَ﴾ حين موتهن ﴿وَلَدٌ﴾ وارث أصلا منكم ، أو من غيركم ، ذكور أو إناث ، بلا واسطة أو معها ﴿فَإِنْ كانَ لَهُنَ﴾ حين موتهنّ منكم أو من غيركم ﴿وَلَدٌ﴾ وارث ، وإن كان انثى واحدة سافلة (١)﴿فَلَكُمُ﴾ إرثا وفرضا ﴿الرُّبُعُ﴾ من جميع ما ﴿تَرَكْنَ﴾ وخلّفن من الأموال ، إذا لم يكن لهنّ وصيّة بمال ، أو عليهنّ دين ، وإن كانا فالإرث ﴿مِنْ بَعْدِ﴾ إخراج ﴿وَصِيَّةٍ﴾ كنّ ﴿يُوصِينَ بِها﴾ في حياتهنّ ﴿أَوْ﴾ قضاء ﴿دَيْنٍ﴾ ثابت في ذمّتهنّ.
ثمّ بيّن سبحانه نصيب الزّوجات الدّائمات من تركة أزواجهنّ ، بقوله : ﴿وَلَهُنَ﴾ إن متّم وبقين بعدكم ﴿الرُّبُعُ﴾ من جميع ما ﴿تَرَكْتُمْ﴾ وخلّفتم من الأموال المنقولة عينا ، ومن الأبنية والأشجار قيمة لا عينا ﴿إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ﴾ بعد موتكم منهنّ أو من غيرهنّ ﴿وَلَدٌ﴾ وارث أصلا ، وإن كان انثى نازلة. والباقي لغيرهنّ من ورّاثكم ، فإن لم يكن لكم وارث غيرهنّ فللإمام عليهالسلام ﴿فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ﴾ ولو من الأمة ، أو المنقطعة ، أو في الحمل بشرط الانفصال حيّا ، وإن نزل ﴿فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ﴾ من المال ، سوى الأراضي وأعيان الأبنية والأشجار ، دون قيمتها - كما مرّ - على الأصحّ ، ولكن ﴿مِنْ بَعْدِ﴾ إخراج ﴿وَصِيَّةٍ﴾ كنتم ﴿تُوصُونَ بِها﴾ في حياتكم ﴿أَوْ﴾ أداء ﴿دَيْنٍ﴾ كان عليكم.
قيل : لمّا فضّل الله تعالى الرّجال على النّساء في النّصيب ، نبّه على فضيلتهم عليهنّ بذكرهم في الآية على سبيل المخاطبة سبع مرات ، وذكرهنّ على سبيل المغايبة أقلّ من ذلك (٢) .
في بيان علل تفضيل الرجال على النساء في النصيب
وقد علّل ائمّتنا صلوات الله عليهم تفضيل الرّجال على النّساء في النّصيب بوجوه ، على ما في روايات أصحابنا رضوان الله عليهم أجمعين : منها : ما روي عن الرضا عليهالسلام ، في جواب من سأله عن ذلك من : « أنّ المرأة إذا تزّوجت أخذت ، والرّجل يعطي ، ولذلك وفّر على الرجل ، ولأنّ الانثى في عيال الذّكر إن احتاجت ، وعليه أن يعولها وعليه نفقتها ، وليس على المرأة أن تعول الرّجل ولا تؤخذ بنفقته إن احتاج ، فوفّر
__________________
(١) سافلة : أي نازلة ، مثل بنت البنت أو بنت الولد.
(٢) تفسير الرازي ٩ : ٢٢٠.