في أموالكم ، وأتركوا موافقة هوى أنفسكم في قسمة المواريث.
وقيل : إنّ المراد : أقرب لكم نفعا في الآخرة (١) .
روي عن ابن عبّاس رضى الله عنه أنّه قال : إنّ الله ليشفّع بعض المؤمنين في بعض ، فأطوعكم لله عزوجل من الأبناء والآباء أرفعكم درجة في الجنّة ، وإن كان الوالد أرفع درجة في الجنّة من ولده رفع الله إليه ولده بمسألته ليقرّ بذلك عينيه ، وإن كان الولد أرفع درجة من والديه رفع الله إليه والديه ، فقال : ﴿لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً﴾ لأنّ أحدهما لا يعرف أن انتفاعه في الجنّة بهذا أكثر أم بذلك (٢) .
أقول : يمكن القول بإرادة النّفع الأعمّ من الدّنيوي والاخروي.
وقيل : إنّ الخطاب للورثة ، والمراد أنّه لا تدرون أيّها الورثة ، أيّ مورثكم من الاصول والفروع أقرب لكم نفعا ، أمن وصّى ببعض ماله فيعرّضكم لثواب الآخرة بتنفيذ وصيّته ، أم من لم يوص بشيء فوفّر عليكم حظّكم من تركته ، فإنّكم تحكمون بأنّ الثاني أنفع ، والواقع خلافه ، بل الأوّل أنفع لأنّه لا يعدل ثواب الآخرة جميع الدّنيا وما فيها.
ثمّ أكّد سبحانه وجوب الالتزام بما فرضه في المواريث بقوله : ﴿فَرِيضَةً﴾ كائنة ﴿مِنَ اللهِ﴾ التزموها ، وقسمة قسّمها الله فلا تعدلوا عنها إلى ما تميل إليه طباعكم ﴿إِنَّ اللهَ كانَ﴾ في الأزل ﴿عَلِيماً﴾ بمصالح عباده ﴿حَكِيماً﴾ في كلّ ما فرض وقدّر ، فإذا كان كذلك كانت قسمته أصلح وأحكم. وفي ذكر اسم الجلالة وتكراره مبالغة في تربية مهابته في القلوب.
﴿وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ
الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ
لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ
تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ
فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ
بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (١٢)﴾
ثمّ لمّا بيّن سبحانه حكم إرث أقرب القرابات النّسبيّة وأقواها ؛ وهي القرابة بالولادة التي تكون بين الوالدين والأولاد ، أردفه ببيان إرث أقرب القرابات السّببيّة ، وهي النّسبة بالمزاوجة التي تكون شريكا للنّسبيّة في جميع الطّبقات في الإرث.
__________________
(١) تفسير الرازي ٩ : ٢١٨.
(٢) تفسير الرازي ٩ : ٢١٨.