ولكن كون نصيب الامّ الثّلث مشروط بعدم وجود الإخوة للميّت ﴿فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ﴾ للأب أو للأبوين ، كانوا اثنين أو أكثر ﴿فَلِأُمِّهِ﴾ إذا كان أبوه حيّا ﴿السُّدُسُ﴾ ولأبيه بقيّة التّركة ، لكونه ذا عيلة (١) بوجودهم ، فاقتضت الحكمة التّوفير عليه لمكان نفقتهم. والأختان للأب تقومان مقام أخ واحد له.
في ( الكافي ) و( التهذيب ) : عن الصادق عليهالسلام : « أنّه لا يحجب الامّ عن الثّلث إلّا أخوان ، أو أخ واختان (٢) ، أو أربع أخوات لأب وام ، أو لأب » (٣) .
وعن زرارة قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول في الإخوة من الامّ : « لا يحجبون [ الأمّ ] عن الثّلث » (٤) .
ثمّ بيّن الله سبحانه أنّ الإرث والفروض لا محلّ لها إلّا ﴿مِنْ بَعْدِ﴾ إخراج ﴿وَصِيَّةٍ يُوصِي﴾ الميّت ﴿بِها﴾ من التّركة - قيل : فائدة توصيف الوصيّة بقوله : ﴿يُوصِي بِها﴾ التّرغيب بها ، والنّدب إليها - ﴿أَوْ﴾ بعد إخراج ﴿دَيْنٍ﴾ ثابت على الميّت وإن لم يوص به ، كان ثبوته بإقراره به حال صحّته ، أو بالبيّنة ، أو بغيرهما.
وفي إيثار كلمة ( أو ) على ( الواو ) دلالة على تساويهما (٥) في وجوب الإخراج ، إذا وسعتهما التّركة ، ولم يكن الدّين مستوعبا لها.
وفي تقديم ذكر الوصيّة على الدّين مع تأخّرها عنه في الرّتبة ، إشعار بكمال العناية والاهتمام بتنفيذها.
روى الفخر الرازي عن أمير المؤمنين عليهالسلام أنّه قال : « إنّكم لتقرأون الوصيّة قبل الدّين ، وإن رسول الله صلىاللهعليهوآله قضى بالدّين قبل الوصيّة » (٦) .
ثمّ لمّا جعل الله سبحانه هذا التّفاوت بيّن نصيب الآباء والأولاد في الإرث ، وقد لا تساعده العقول الضّعيفة والاعتبارات السّخيفة ، نبّه الله تعالى على قصور العقول عن إدراك حكمة هذا التّفاوت ، ووجوب العمل بوصيّته تعالى في نصيبهم ، بقوله : ﴿آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ﴾ الّذين يرثونكم ﴿لا تَدْرُونَ﴾ ولا تدرك عقولكم ﴿أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً﴾ في الدّنيا ، وأكثر فائدة لكم ، من جهة التّربية والإنفاق والنّصرة وغيرها ، فقد تتخيّلون أنّ أحدهما أنفع لكم من الآخر ، وربّما يخطر ببالكم أنّ القسمة بغير هذا الوجه أصلح ، وهو خلاف الواقع ، فسلّموا لحكم الله - العالم بالمغيّبات وحقائق الأمور - بأقربيّة بعض من بعض ، وبتوفير القسمة على بعض دون بعض ، وأطيعوا أمر الله في التّقديرات التي قدّرها
__________________
(١) العيلة : الفقر والحاجة.
(٢) ( أو أخ وأختان ) ليس في الكافي والتهذيب.
(٣) الكافي ٧ : ٩٢ / ٥ ، التهذيب ٩ : ٢٨١ / ١٠١٧ ، تفسير الصافي ١ : ٣٩٤.
(٤) الكافي ٧ : ٩٣ / ٦ ، تفسير الصافي ١ : ٣٩٤.
(٥) أي تساوي الوصيّة والدّين.
(٦) تفسير الرازي ٩ : ٢١٦.