يأكلون أموال اليتامى ظلما » (١) .
وفي ( الكافي ) : عن الباقر عليهالسلام : « أنّ آكل مال اليتيم يجيء يوم القيامة والنّار تلهب في بطنه حتّى يخرج لهب النّار من فيه ، يعرفه أهل الجمع أنّه آكل مال اليتيم » (٢) .
﴿وَسَيَصْلَوْنَ﴾ وعن قريب يدخلون مع ذلك في الآخرة ﴿سَعِيراً﴾ ذات لهب لا يعرف شدّتها غير الله.
روي أنّه لمّا نزلت هذه الآية ثقل ذلك على النّاس ، فاحترزوا عن مخالطة اليتامى بالكلّيّة ، فصعب الأمر على اليتامى ، فنزل قوله تعالى : ﴿وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ﴾(٣) .
ثمّ لمّا كان منشأ انتزاع الحقوق الواجبة الرّعاية ، النّسبة الحاصلة بين الأشخاص ، ومن المعلوم أنّ أقواها هي النّسبة الحاصلة بالولادة ، وأضعفها الحقوق الحاصلة بالولاية والوصاية والمصاهرة. وقدّم الولاية والوصاية لإظهار الاهتمام بشأنها.
﴿يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ
فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا
السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ
فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ آباؤُكُمْ
وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً
حَكِيماً (١١)﴾
ثمّ شرّع سبحانه في بيان حقوق الولادة ، فابتدأ بذكر ما هو أولى بالرّعاية منها من حقوق الأبوين والأولاد ، بقوله : ﴿يُوصِيكُمُ اللهُ﴾ أيّها النّاس ويعهد إليكم ﴿فِي﴾ شأن ﴿أَوْلادِكُمْ﴾ وأمر حقوقهم.
وإنّما قدّمهم على الآباء والامّهات والكلالة وسائر الأرحام ، لكونهم أقرب وألصق ، ولأنّه تعالى ذكر حقّهم في آية ﴿لِلرِّجالِ نَصِيبٌ﴾(٤) إجمالا ، فبدأ في الآية بذكر تفصيله بقوله : ﴿لِلذَّكَرِ﴾ منهم حظّ ﴿مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ وما يساوي نصيب البنتين من جميع أموالكم وحقوقكم. وإنّما خصّ الذّكر بالتّنصيص على حظّه للإشعار بفضيلته ، وبأنّ تضعيف حظّه لها.
__________________
(١) تفسير القمي ١ : ١٣٢ ، تفسير الصافي ١ : ٣٩٣.
(٢) الكافي ٢ : ٢٦ / ١ ، تفسير الصافي ١ : ٣٩٣.
(٣) تفسير الرازي ٩ : ٢٠٢ ، تفسير أبي السعود ٢ : ١٤٨ ، والآية من سورة البقرة ٢ : ٢٢٠.
(٤) النساء : ٤ / ٧.