من نسلنا المرابط ، ومن نسله المرابط » (١) . انتهى.
والظّاهر أنّ المراد : المرابطة في زمان القائم المنتظر صلوات الله عليه.
ثمّ - لمّا كان الإقدام على تلك المشقّات ، والتّحمّل لهذه المرارات شديدا على النّفس ، محتاجا إلى قوّة الدّاعي - ذكر الله تعالى أقوى الدّواعي ، وهو التّقوى والخوف من الله ، بقوله : ﴿وَاتَّقُوا اللهَ﴾ وخافوه في مخالفة أوامره وأحكامه ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ وكي تفوزوا بأعلى المقاصد من النّجاة من النّار ، والتّنعّم والرّاحة في دار القرار.
عن النبيّ صلىاللهعليهوآله : « ألا أدلّكم على ما يمحو الله به الخطايا ، ويرفع به الدّرجات ؟ » . قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : « إسباغ الوضوء على المكاره ، وكثرة الخطى إلى المساجد ، وانتظار الصّلاة بعد الصّلاة ، فذلكم الرّباط » (٢) .
ونقل عن أصحاب التذكير أنّهم قالوا : إنّ المراد من الآية المباركة : اصبروا عند قيام اليقين على احتمال الكرب ، وصابروا على مقاساة العناء والتّعب ، ورابطوا في ديار أعدائي بلا هرب ، واتّقوا الله في الالتفات إلى السّبب ، لعلّكم تفلحون غدا بلقائي على نشاط وطرب.
وقال السرقسطي : اصبروا على الدّنيا رجاء السّلامة ، وصابروا عند لقاء أعدائي بالثّبات والاستقامة ، ورابطوا هوى النّفس اللّوامة ، واتّقوا ما يعقب النّدامة ، لعلّكم تفلحون غدا على بساط الكرامة.
وقيل : اصبروا على النّعماء ، وصابروا على البأساء والضّرّاء ، ورابطوا في دار الأعداء ، واتّقوا إله الأرض والسّماء ، لعلّكم تفلحون في دار البقاء.
وقيل : اصبروا على مضض الطّاعات ، وصابروا على رفض العادات ، ورابطوا السّرّ على جناب واهب العطيّات ، واتّقوا الله بالتبرّي ممّا سواه من الكائنات ، لعلّكم تفلحون في الدّنيا بأعلى المقامات ، وفي الآخرة بأرفع الدّرجات.
أقول : اعلم أنّ القلب الإنساني إذا زكا بالرّياضة - من الصّبر على الطّاعة ، وترك اتّباع الهوى ، وقطع علاقة الدّنيا ، والمصابرة على البأساء والضّرّاء ، والثّبات في مكايدة الأعداء ، وتحمّل الشّدائد في سبيل الله وفي تحصيل رضاه - ونقي عن النّفاق وخبائث الأخلاق ، وطهر عن دنس الشّهوات بالتّقوى ، يفاض عليه أوّلا خواطر الخير ، ونور الهداية إلى حقائق الأمور من خزائن الملكوت وعالم الجبروت ، فيصرف عقله إلى التّفكّر في ما فيه خيره وصلاحه ، وما به كمال نفسه ، والقرب إلى رحمة ربّه ، والنّظر في مقدّماته ومحصّلاته ، فعند ذلك يطّلع على أسرار الطّاعات ، وينكشف له بنور البصيرة حقائق
__________________
(١) تفسير القمي ٢ : ٢٣ ، تفسير الصافي ١ : ٣٨٠.
(٢) تفسير روح البيان ٢ : ١٥٧.