جوده ﴿حُسْنُ الثَّوابِ﴾ وأكمل الجزاء على طاعته ، لا يعادله ثواب ، ولا يشابهه جزاء.
قيل : في تصدير الوعد الكريم بعدم الإضاعة ، ثمّ تعقيبه بهذا الإحسان الجسيم الذي لا يقادر قدره من لطف المسلك المنبئ من عظم شأن المحسن ما لا يخفى.
ثمّ أنّ ظاهر الآية وإن كان ثبوت هذا الأجر العظيم للّذين اجتمعت لهم جميع هذه الأمور من الهجرة ، والإخراج من الاوطان ، والإيذاء ، والمقاتلة والقتل ، ولكن يحتمل أن يكون لمن له أحدها ، ويؤيّده سعة رحمة الله وفضله.
عن ( الأمالي ) : أنّ أمير المؤمنين عليهالسلام لمّا هاجر من مكّة إلى المدينة ليلحق النبيّ صلىاللهعليهوآله ؛ وقد قارع الفرسان من قريش ، ومعه فاطمة بنت أسد وفاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وفاطمة بنت الزّبير ، فسار ظاهرا قاهرا حتّى نزل ضجنان (١) فتلوّم بها يوما وليلة ، ولحق به نفر من ضعفاء المؤمنين ، وفيهم امّ أيمن مولاة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وكان يصلّي ليلته تلك هو والفواطم ويذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ، فلن يزالوا كذلك حتّى طلع الفجر ، فصلّى بهم صلاة الفجر ، ثمّ سار لوجهه.
فجعل هو وهنّ يصنعون ذلك منزلا بعد منزل ، يعبدون الله عزوجل ويرغبون إليه كذلك حتّى قدموا المدينة ، وقد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً﴾(٢) الآيات ، إلى قوله : ﴿مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى﴾ الذّكر : علىّ عليهالسلام ، والانثى : الفواطم ﴿بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾ يعني : عليّ من فاطمة ، أو قال : من الفواطم ، وهنّ من عليّ (٣) .
وعن القمّي رحمهالله : ﴿فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ﴾ يعني : أبا ذرّ حين اخرج وعمّار اللذين اوذوا في سبيل الله (٤) .
أقول : الظّاهر أنّ الرّواية بيان لأظهر مصاديق الآية وأكملها ، لا أنّها تفسير لها ، بل هي عامّة لكلّ من اتّصف بتلك الصّفات.
﴿لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (١٩٦) مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ
الْمِهادُ (١٩٧)﴾
ثمّ لمّا وعد الله سبحانه الثّواب العظيم على الإيمان والهجرة ، وكان المهاجرون في شدّة الفقر والفاقة ، صاروا معرضا للطّعن بأنّه لو كان لهم منزلة عند الله لأعطاهم من الدّنيا ما يعيشون به في
__________________
(١) ضجنان : جبل على بريد من مكة.
(٢) آل عمران ٣ / ١٩١.
(٣) أمالي الصدوق : ٤٧١ / ١٠٣١ ، تفسير الصافي ١ : ٣٧٩.
(٤) تفسير القمي ١ : ١٢٩ ، تفسير الصافي ١ : ٣٧٩.