واستجابته كانت بإنجاز وعده بالثّواب على الإيمان وأعمالهم الصّالحة المسلتزمة للمغفرة والوقاية من النّار ، موجّها الخطاب إليهم تشريفا لهم ، وتطييبا لقلوبهم ، بقوله : ﴿أَنِّي لا أُضِيعُ﴾ ولا ابطل ﴿عَمَلَ عامِلٍ﴾ أيّ عامل كان ﴿مِنْكُمْ﴾ من الكاملين في الإيمان ، أو الضّعفاء ﴿مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى﴾ ومن خسيس النّسب أو شريفه ؛ لأنّه ﴿بَعْضُكُمْ﴾ منشعب ﴿مِنْ بَعْضٍ﴾ آخر ، وكلّكم من أصل واحد ، فلا مزيّة لأحد على أحد عند الله إلّا بالتّقوى والعمل الصّالح ، فمع تساوي النّسبة إلى الله ، وكون التّفاوت والمزيّة بالإيمان والقيام بوظائف العبودية ، لا يمكن إثابة بعض دون بعض.
وقيل : إنّ المراد من قوله : ﴿بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾ أنّكم متوافقون في الدّين والأعمال ؛ كما قال في حقّ المنافقين : ﴿بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾(١) .
وقيل : إنّ ( من ) بمعنى : ( الكاف ) والمعنى : بعضكم كبعض (٢) ، والمقصود : بيان شركة النّساء مع الرّجال في ما وعد للأعمال.
روي أنّ امّ سلمة قالت لرسول الله صلىاللهعليهوآله : إنّي أسمع الله يذكر الرّجال في الهجرة ، ولا يذكر النّساء ، فنزلت الآية (٣) .
ثمّ ذكر الله تفصيل أعظم الأعمال التي يستحقّ بها غاية الثّواب ، بقوله : ﴿فَالَّذِينَ هاجَرُوا﴾ من أوطانهم حفظا لدينهم ، واختيارا لخدمة الرّسول صلىاللهعليهوآله ، وشوقا إلى صحبته - عن القمّي رحمهالله يعني : أمير المؤمنين ، وسلمان (٤) - أو لم يهاجروا اختيارا ﴿وَ﴾ لكن ﴿أُخْرِجُوا﴾ قهرا وجبرا ﴿مِنْ دِيارِهِمْ﴾ التي ولدوا فيها وتوطّنوها ، واضطرّوا إلى ترك الإقامة بها بسبب إيذاء المشركين ، والخوف على أنفسهم وأعراضهم ، ﴿وَ﴾ الّذين ﴿أُوذُوا﴾ من الكفّار ، بأيّ نوع من أنواع الإيذاء ﴿فِي سَبِيلِي﴾ لأجل تحصيل مرضاتي من الإقرار بالتّوحيد ، والدّخول في الملّة الحنيفيّة ﴿وَ﴾ الّذين ﴿قاتَلُوا﴾ أعداء الدّين ، وجاهدوا معهم نصرة للإسلام ﴿وَقُتِلُوا﴾ في ترويج الشّريعة ، تالله ﴿لَأُكَفِّرَنَ﴾ وأمحونّ ﴿عَنْهُمْ﴾ ومن صحيفة أعمالهم ﴿سَيِّئاتِهِمْ﴾ وخطاياهم ﴿وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ﴾ في القيامة برحمتي وفضلي ﴿جَنَّاتٍ﴾ عديدة ، تكون من محسّناتها وصفاتها أنّه ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ﴾ الكثيرة ، ولاثيبنّهم وفاء بالوعد ﴿ثَواباً﴾ عظيما على هذه الأعمال وغيرها ، حال كون ذلك الثّواب تشريفا لهم ﴿مِنْ عِنْدِ اللهِ﴾ ومن قبل فضله وجوده.
ثمّ بالغ سبحانه في تأكيد الوعد ، وتشريف الثواب بقوله : ﴿وَاللهُ﴾ مذخور ﴿عِنْدَهُ﴾ وفي خزائن
__________________
(١) التوبة : ٩ / ٦٧.
(٢ و٣) . تفسير الرازي ٩ : ١٥٠.
(٤) تفسير القمي ١ : ١٢٩ ، تفسير الصافي ١ : ٣٧٩.