عن ابن عبّاس رضى الله عنه : أنّه البعث بعد الموت (١) . يعني : المراد من الميعاد : البعث الموعود.
في ذكر آداب الدعاء وكيفيته
ثمّ اعلم أنّ الله تعالى علّم عباده - في هذه الآيات من قوله : ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ﴾(٢) إلى قوله : ﴿لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ﴾ - آداب الدّعاء وكيفيّاته ، حيث ظهر منها أنّه لا بدّ للدّاعي قبل الدّعاء [ من ] التّفكّر في آيات الله ، وتحصيل المعرفة به ، ثمّ ثنائه بالتّسبيح والتّهليل ، ثمّ مخاطبته بخطاب فيه كمال الضرّاعة ، وإظهار العبوديّة والاستكانة ، ثمّ ندائه بما فيه جلب العطوفة ؛ كقول : يا ربّ ، يا رحيم ، يا رؤوف ، وأمثال ذلك ، ثمّ تذكّر ما فيه اشتداد شوقه إلى الدّعاء ، وما يؤثّر في تقوية داعي المدعوّ إلى الإجابة ، ثمّ يخصّ دعاءه بالمهمّات ، ويكون نظره إلى الحوائج الاخرويّة ، ولا يعتني إلى الدّنيا وما فيها ، ولا يطلب في دعائه شيئا منها ، ويقدّم أوّلا طلب المغفرة ؛ لأنّها - مع كونها من أهمّ الحوائج - لها أثر تامّ في إجابة الدّعاء به.
عن ابن عبّاس رضى الله عنه ، عن النبيّ صلىاللهعليهوآله : « من لزم الاستغفار جعل الله له من كلّ همّ فرجا ، ومن كلّ ضيق مخرجا ، ورزقه من حيث لا يحتسب » الخبر (٣) .
ويسأل النّجاة من النّار والهوان في الآخرة ، ثمّ يطلب النّعم والدّرجات الرّفيعة في الجنان - لتقدّم التّخلية على التّحلية - وأن يكون على يقين بكرم الله ، وأنّه يجيب دعوة الدّاعي إذا دعاه حسب ما وعد ، وأنّه لا يخلف الوعد ، ولا يسوء ظنّه به تعالى.
﴿فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ
مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا
وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً
مِنْ عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ (١٩٥)﴾
ثمّ رتّب الله على دعواتهم الجامعة لآدابها الإجابة السّريعة بقوله : ﴿فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ﴾ وتحقّق إنجاح مسؤولهم من مليكهم اللّطيف بهم ، المكمّل لنفوسهم.
وقيل : إنّ ( استجاب ) أخصّ من ( أجاب ) ، فإنّ ( أجاب ) معناه : أعطاه الجواب ، وهو أعمّ من إعطاء المطلوب ، وإنّما يقال : ( استجاب ) إذا حصل المطلوب.
__________________
(١) تفسير البيضاوي ١ : ١٩٦ ، تفسير أبي السعود ٢ : ١٣٣.
(٢) آل عمران : ٣ / ١٩١.
(٣) تفسير روح البيان ٢ : ١٤٩.