﴿رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ
الْمِيعادَ (١٩٤)﴾
ثمّ بعد طلب الأمن من العقوبة ، وسؤال أهم النّعم ، يعمّون السّؤال ، ويستدعون جميع المثوبات الموعودة للمؤمنين ، بقولهم : ﴿رَبَّنا وَآتِنا﴾ برحمتك ، وأعطنا بجودك وكرمك ﴿ما وَعَدْتَنا﴾ من الثّواب والأجر الدّنيوي والاخروي ﴿عَلى﴾ تصديق ﴿رُسُلِكَ﴾ . وقيل : إنّ المراد : ما وعدتنا بالوعد الكائن على ألسنة رسلك ، ووسائط تبليغ وحيك.
وفي تكرير النّداء بقولهم : ﴿رَبَّنا﴾ إظهار المبالغة في الضّراعة.
عن الصادق عليهالسلام : « من حزبه (١) أمر فقال : ربّنا ؛ خمس مرّات ، أنجاه الله ممّا يخاف ، وأعطاه ما أراد » (٢) .
وفي ذكر جميع الرّسل - مع كون المراد من المنادي للإيمان خصوص خاتم النّبيّين صلىاللهعليهوآله - إشعار باتّفاقهم في الوعد ، وتأكّده بكثرة الشّهود ، وإظهار كمال الثّقة بإنجازه.
ثمّ أنّه تعالى - بعدما حكى عن المؤمنين تقديم سؤال المغفرة والأمن من العقوبة على سؤال الجنّة وسائر النّعم والمثوبات ، إظهارا لأهميّته وكونه أصلا ، وغيره فرعا وتبعا - حكى عنهم ختم دعواتهم به تثبيتا لذلك ، بقوله : ﴿وَلا تُخْزِنا﴾ ولا تهنّا بين النّاس ﴿يَوْمَ الْقِيامَةِ﴾ بالعذاب الدّائم.
وقيل : إنّ السّؤال الأوّل - وهو الوقاية من النّار - طلب الأمن من العذاب الجسماني ، والسّؤال الآخر من قولهم : ﴿وَلا تُخْزِنا﴾ طلب السّلامة من الخزي والهوان ؛ وهو العذاب الرّوحاني ، حيث يظهر يوم القيامة لبعض العباد أنّ اعتقاده كان ضلالا ، وعمله كان ذنبا ؛ كما قال تعالى : ﴿وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا﴾(٣) ، فعند ذلك يحصل لهم خجلة عظيمة ، وحسرة كاملة ، وأسف شديد ، وذلك هو العذاب الرّوحاني ، وهو أشدّ من العذاب الجسماني.
وقيل : إنّ المراد : لا تهنّا حين إعطاء الثّواب ، بل عظّمنا وأكرمنا. فإنّه يمكن أن يكون إعطاء الثّواب مقرونا بالتّوهين.
ثمّ حكى الله سبحانه عن المؤمنين إظهار اليقين بامتناع صدور خلف الوعد منه تعالى ، بقوله : ﴿إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ﴾ لإظهار أنّ سؤال الوفاء بالوعد ليس لخوف صدور خلف الوعد منه تعالى ، بل لإظهار الاستكانة ، أو احتمال التّقصير من قبلهم ، والخوف من أنّهم لا يكونون من جملة الموعودين ، لسوء العاقبة ، أو القصور في الامتثال ، فمرجعها إلى الدّعاء بالتّثبّت على الإيمان والطّاعة.
__________________
(١) حزبه الأمر : اشتدّ عليه.
(٢) تفسير الرازي ٩ : ١٥١ ، تفسير أبي السعود ٢ : ١٣٣.
(٣) الزمر : ٣٩ / ٤٨.