وفيه إشعار بخلود عذابهم ، بفقدان من يقوم بنصرتهم وتخليصهم. وفي ذكر الظّالمين موضع الضّمير الرّاجع إلى المدخلين دلالة على ذمّهم ، وعلّة استحقاقهم لأشدّ العذاب.
ثمّ لمّا كان المراد بالنّاصر هو المدافع بالقهر ، فلا دلالة في نفيه على نفي الشّفاعة التي هي ضراعة الشّفيع في التّخليص.
عن العيّاشي : عن الباقر عليهالسلام : « ما لهم من أئمّة يسمّونهم بأسمائهم » (١) .
﴿رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا
ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ (١٩٣)﴾
ثمّ - لمّا كان الانقياد وحسن الخدمة والطاعة دخيلا في تعطّف المسؤول ، وإقدامه في قضاء حاجه السّائل ، وإجابة دعائه - حكى الله عن المؤمنين إظهار إيمانهم وطاعتهم له ولرسوله بقوله : ﴿رَبَّنا﴾ ومليكنا ﴿إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً﴾ وداعيا عظيم الشّأن ، كثير الاهتمام بالدّعوة ، بحيث يرفع صوته بها ، وهو ﴿يُنادِي﴾ ويدعو عامّة النّاس بصوت عال ﴿لِلْإِيمانِ﴾ بك وبوحدانيّتك ، وكمال صفاتك ، وصحّة شريعتك ، ويدعوهم إلى سبيل مرضاتك ، والالتزام بطاعتك بكلمة جامعة لجميع هذه الأمور ، هي ﴿أَنْ آمِنُوا﴾ أيّها النّاس ﴿بِرَبِّكُمْ﴾ وخالقكم اللّطيف بكم ، والرّؤوف المتولّي لجميع اموركم ، الحافظ لمصالحكم ، لوضوح أنّ معرفته تعالى بصفة الرّبوبيّة والإيمان به ملازم للإيمان برسوله وكتابه وشريعته.
ويحتمل أن يكون وجه تخصيص الأمر بالإيمان بالرّبّ ، تفخيم شأنه.
﴿فَآمَنَّا﴾ به بلا مماطلة امتثالا لأمره ، وبادرنا إلى الإقرار به إجابة لدعوته ﴿رَبَّنا﴾ إذن ﴿فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا﴾ وتجاوز عن كبائر معاصينا ، جزاء لإيماننا بك ﴿وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا﴾ وامح صغائر زلّاتنا. وقيل : إنّ الجملة تأكيد للاولى.
ثمّ بعد سؤال المغفرة والتماس الأمن من العقوبة ، يتوجّهون الى النّعم واللّذائذ ، ويسألون أتمّها وأعلاها بقولهم : ﴿وَتَوَفَّنا﴾ واقبض أرواحنا ، وأخرجنا من الدّنيا حال كوننا مصاحبين ﴿مَعَ الْأَبْرارِ﴾ محظوظين بجوارهم ، ملتذّين بمرافقتهم وصحبتهم ، فإنّ صحبة الأحبّة أتمّ اللّذائذ وأعلا الحظوظ.
وقيل : إنّ المراد : حال كوننا معدودين في زمرة المطيعين ، أو التّابعين لهم في أعمالهم ، حتّى نكون في درجاتهم.
__________________
(١) تفسير العيّاشي ١ : ٣٥٧ / ٨٣٢ ، تفسير الصافي ١ : ٣٧٨.