محفوظا وسمكا مرفوعا ، بغير عمد يدعمها ، ولا دسار (١) يتظمها (٢) ، ثمّ زيّنها بزينة الكواكب ، وضياء الثواقب ، وأجرى فيها سراجا مستطيرا ، وقمرا منيرا في فلك دائر ، وسقف سائر ، ورقيم مائر » (٣) .
﴿وَ﴾ في خلق ﴿الْأَرْضِ﴾ على ما هي عليه في ذاتها ، وصفاتها ، وأجزائها ، وما خلق فيها من البحار والجبال والمعادن والأشجار ، ﴿وَ﴾ في ﴿اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ﴾ وتعاقبهما ، وقيل : اختلاف لونهما وتفاوتهما بازدياد كلّ منهما ونقص الآخر ، بحسب اختلاف حال الشّمس بالنّسبة إلينا قربا وبعدا ﴿لَآياتٍ﴾ عظيمة ، ودلائل واضحة على وحدة خالقها ، وكمال قدرته ، وسعة علمه ، وبلوغ حكمته ، وعظم سلطانه ، وعلوّ شأنه ، ولكن لا لجميع الخلق لعمى قلوب أكثرهم ، وعدم تفكّرهم فيهان بل ﴿لِأُولِي الْأَلْبابِ﴾ منهم ، وذوي العقول السّليمة ، والأفهام المستقيمة الخالصة عن شوائب الأوهام والشّهوات الحيوانية ، والأهواء الزّائغة النّفسانيّة خاصّة ، لتنوّر قلوبهم ، ونفوذ بصيرتهم.
قيل : لمّا كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يدعو أهل مكّة إلى عبادة الله وحده سألوه أن يأتيهم بآية تصحّح دعواه ، فنزلت.
قيل : إنّه تعالى ذكر في سورة البقرة في نظير الآية ، الآيات الثّمانية ، واكتفى هنا بذكر الثلاثة منها ؛ لأنّ السّالك إلى الله في أوّل الأمر لا بدّ له من تكثير الدّلائل ، فإذا استنار قلبه بنور المعرفة صار اشتغاله بالدّلائل كالحجاب له عن استغراق القلب في المعرفة ، فيصير طالبا لتقليلها.
ففي الآية الاولى إشارة إلى مبدأ السّلوك ، ولذا قال هناك : ﴿لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾(٤) وهنا : ﴿لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ ﴾ فإنّ لبّ العقل خالصه ومصفاه وكماله.
عن ابن عمر ، قال : قلت لعائشة : ما أعجب ما رأيت من رسول الله صلىاللهعليهوآله ! فبكت فأطالت ، ثمّ قالت :كلّ أمره عجيب ، أتاني في ليلة فدخل لحافي حتّى ألصق جلده بجلدي ، ثم قال لي : « يا عائشة ، هل لك أن تأذني لي في عبادة ربّي ؟ » ، فقلت : يا رسول الله ، إنّي لاحبّ قربك واحبّ مرادك ، قد أذنت لك ، فقام إلى قربة من ماء في البيت فتوضأ ، ولم يكثر من صبّ الماء ، ثمّ قام يصلّي فقرأ من القرآن فجعل يبكي ، ثمّ رفع يديه وجعل يبكي ، حتّى رأيت دموعه قد بلّت الأرض ، فأتاه بلال يؤذنه بصلاة الغداة فرآه يبكي ، فقال له : يا رسول الله أتبكي ، وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر ! فقال : « يا بلال ، أ فلا أكون عبدا شكورا ؟ » ثمّ قال : « ما لي لا أبكي وقد أنزل الله في هذه اللّيلة : ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ
__________________
(١) الدّسار : المسمار.
(٢) في نهج البلاغة : ينظمها.
(٣) نهج البلاغة : ٤١ الخطبة ١.
(٤) البقرة ٢ : ١٦٤.