فازَ﴾ بالمقصد الأعلى ، وظفر بالبغية العليا.
روي عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه قال : « موضع سوط في الجنّة خير من الدّنيا وما فيها ، وقرأ : ﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ ﴾(١) .
وعنه صلىاللهعليهوآله : « من أحبّ أن يزحزح عن النّار ويدخل الجنّة ، فلتدركه منيّته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ، وليوت إلى النّاس ما يحبّ أن يؤتى إليه » (٢) .
وعن ( الكافي ) : عن الصادق عليهالسلام : « خياركم سمحاؤكم ، وشراركم بخلاؤكم ، ومن خالص الإيمان البرّ بالإخوان ، والسعي في حوائجهم ، وإنّ البارّ بالإخوان ليحبّه الرّحمن ، وفي ذلك مرجمة (٣) الشيطان ، وتزحزح عن النّيران ، ودخول في الجنان » (٤) .
وعن النبيّ صلىاللهعليهوآله ، في حديث : « قال الله تعالى : فبعزّتي حلفت ، وبجلالي أقسمت أن لا يتولّى عليّا عبد من عبادي إلّا زحزحته عن النّار ، وأدخلته الجنّة ، ولا يبغضه عبد من عبادي إلّا أبغضته ، وأدخلته النّار وبئس المصير » (٥) .
ثمّ أنّه تعالى - بعد ما بيّن أنّ أعلى المقاصد النّجاة من النّار ، والدّخول في الجنّة - بيّن أن أردأ المطالب وأدنى المقاصد هو الدّنيا ، بقوله : ﴿وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا﴾ وعيشها ولذّاتها وزخارفها بشيء ﴿إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ﴾ وسلعة مدلّسة. فشبّه سبحانه الدّنيا بالمتاع الذي يدلّس على المستام (٦) ويغرّ حتّى يشتريه.
عن سعيد بن جبير : أنّ هذا في حقّ من آثر الدّنيا على الآخرة ، وأما من طلب الآخرة بها ، فإنّها نعم المتاع (٧) .
﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ
وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ
الْأُمُورِ (١٨٦)﴾
ثمّ أنّه تعالى - بعد تسلية النبيّ صلىاللهعليهوآله عن تكذيب الكفّار وأقوالهم السّيّئة المقرحة للقلب - شرع في تسلية المؤمنين عمّا يلقونه من الكفّار فيما بعد ؛ ليوطّنوا أنفسهم على احتماله عند وقوعه ، ويستعدّوا للقائه ويقابلوه بحسن الصّبر والثّبات ، فإنّ هجوم الآجال يزلزل أقدام الرّجال ، والاستعداد للرّكوب
__________________
(١ و٢) . تفسير الرازي ٩ : ١٢٦.
(٣) في المصدر : مرغمة.
(٤) الكافي ٤ : ٤١ / ١٥ ، تفسير الصافي ١ : ٣٧٥.
(٥) أمالي الصدوق : ٢٩٢ / ٣٢٦ ، تفسير الصافي ١ : ٣٧٥.
(٦) المستام : المشتري.
(٧) تفسير الرازي ٩ : ١٢٦.