ممّا يهوّن الخطوب ن فقال تعالى : ﴿لَتُبْلَوُنَ﴾ البتّة من جانب الله أيّها المؤمنون ، ولتعاملنّ معاملة المختبر ؛ ليظهر ما عندكم من الثّبات على الإيمان ولوازمه بما يقع ﴿فِي أَمْوالِكُمْ﴾ من ضروب الآفات والمضارّ ، ﴿وَ﴾ بما يقع في ﴿أَنْفُسِكُمْ﴾ من القتال ، والجرح ، والأسر ، وسائر المتاعب والشّدائد والمصائب.
عن الرّضا عليهالسلام : ﴿ فِي أَمْوالِكُمْ﴾ : بإخراج الزّكاة ، ﴿وَ﴾ في ﴿أَنْفُسِكُمْ﴾ : بالتّوطين على الصّبر » (١) .
﴿وَ﴾ بالله ﴿لَتَسْمَعُنَ﴾ أقوالا سيّئة ﴿مِنَ﴾ اليهود والنّصارى ﴿الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ﴾ السّماوي من التّوراة والإنجيل ﴿مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ وفي زمان سابق على نزول القرآن عليكم ﴿وَ﴾ أقوالا ﴿مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ بالله وعبدوا الأصنام ، كأبي جهل وأبي سفيان وأضرابهما ، فيها ﴿أَذىً كَثِيراً﴾ لكم ، وايلام شديد في قلوبكم ، كالطّعن في دين الإسلام ، والقدح في أحكامه ، وإلقاء الشّبهات ، وتخطئة المؤمنين وهجائهم ، وتحريض المشركين على مضادّة الرّسول صلىاللهعليهوآله ﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا﴾ على ما يصيبكم من المكاره ، وتقابلوه بحسن العزاء والتّحمّل ﴿وَتَتَّقُوا﴾ الله في مخالفة مرضاته من الإقدام على ما يليق بالمؤمن ، ومن المداهنة معهم ﴿فَإِنَّ ذلِكَ﴾ المذكور من الصّبر والتّقوى يكون ﴿مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ وصواب التّدبير ، وممّا ينبغي أن يعزم العازمون ويتنافس فيه المتنافسون ، لما فيه من كمال المزيّة عند الله ، وإنفاذ المقصود من الإرشاد والهداية ؛ لأنّه أقرب إلى دخول المخالف في الدّين.
ولذا كان رسول الله صلىاللهعليهوآله مداريا للنّاس صبورا على الأذى أكثر من أن يحصى ، بل كان مداراته وصبره من كراماته ومعجزاته.
روي أنّه بعث رسول الله صلىاللهعليهوآله أبا بكر إلى فنحاص اليهودي يستمدّه ، فقال فنحاص : قد احتاج ربّك إلى أن نمدّه ، فهمّ أبو بكر أن يضربه بالسّيف وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله قال له حين بعثه : « لا تغلبنّ على شيء حتّى تؤدّي إليّ » فتذكّر أبو بكر ذلك وكفّ عن الضّرب ، فنزلت (٢) .
قيل : أمر الله سبحانه بالصّبر تقليلا لمضارّ الدّنيا ، وأمر بالتّقوى تقليلا لمضارّ الآخرة ، فكانت الآية جامعة لآداب الدّنيا والآخرة (٣) .
﴿وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ
وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ (١٨٧)﴾
__________________
(١) علل الشرائع : ٣٦٩ / ٣ ، تفسير الصافي ١ : ٣٧٦.
(٢) تفسير الرازي ٩ : ١٢٨.
(٣) تفسير الرازي ٩ : ١٢٩.