عمت طابت.
﴿كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ
النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ (١٨٥)﴾
ثمّ بالغ سبحانه في تسلية قلبه الشّريف بتذكيره الموت الذي ذكره يهوّن الخطوب ، ويسهّل جميع المصائب ، ويزيل الكروب ، بقوله : ﴿كُلُّ نَفْسٍ﴾ من النّفوس البشريّة والحيوانيّة بالآخرة ﴿ذائِقَةُ﴾ طعم ﴿الْمَوْتِ﴾ وزهوق الرّوح ، بل كلّ موجود من الجسمانيّات ، وكلّ مركّب من المركّبات ايل أمره إلى الانحلال والانعدام ، فلا يبقى إلّا وجهه الكريم.
عن ( الكافي ) : عن الصادق عليهالسلام ، أنّه قال : « يموت أهل الأرض حتّى لا يبقى أحد ، ثمّ يموت أهل السّماء حتّى لا يبقى أحد إلّا ملك الموت ، وحملة العرش ، وجبرئيل ، وميكائيل » قال : « فيجيء ملك الموت حتّى يقوم بين يدي الله عزوجل فيقول له : من بقي ؟ - وهو أعلم - فيقول : يا ربّ ، لم يبق إلّا ملك الموت ، وحملة العرش ، وجبرئيل ، وميكائيل. فيقال له : قل لجبرئيل وميكائيل فليموتا. فتقول الملائكة عند ذلك : يا ربّ ، رسولاك واميناك. فيقول : إنّي قضيت على كلّ نفس فيها الرّوح الموت.
ثمّ يجيء ملك الموت حتّى يقف بين يدي الله عزوجل فيقال له : من بقي ؟ - وهو أعلم - فيقول : يا ربّ ، لم يبق إلّا ملك الموت ، وحملة العرش. فيقول : [ قل ] لحملة العرش فليموتوا ثمّ يجيء كئيبا حزينا لا يرفع طرفه فيقول : من بقي ؟ - وهو أعلم - فيقول : يا ربّ ، لم يبق إلّا ملك الموت. فيقول له : مت يا ملك الموت ، فيموت.
ثمّ يأخذ الأرض بيمينه والسّماوات بيمينه ، فيقول : أين الّذين كانوا يدعون معي شريكا ؟ أين (١) الّذين كانوا يجعلون معي إلها آخر ؟ » (٢) انتهى. فإذا كان ذلك ، فلا ينبغي للعاقل أن يغتمّ في المصائب.
ثمّ أنّه سبحانه بعدما كنّى عن الدّار الاخرى بذوق الموت ، بيّن توفية ثواب المصدّق ، وعقاب المكذّب ، بقوله : ﴿وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ﴾ وتعطون على نحو الكمال جزاء أعمالكم ﴿يَوْمَ الْقِيامَةِ﴾.
قيل : إنّ في لفظ التّوفية إشعارا بأنّ بعض اجورهم يصل إليهم قبل القيامة ، كما ينبى عنه قوله صلىاللهعليهوآله: « القبر روضة من رياض الجنّة ، أو حفرة من حفر النيّران » (٣) .
﴿فَمَنْ زُحْزِحَ﴾ وأبعد ﴿عَنِ النَّارِ﴾ ونحّي منها يومئذ ﴿وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ﴾ بفضل الله ورحمته ﴿فَقَدْ
__________________
(١) في النسخة : من ، بدل أين.
(٢) الكافي ٣ : ٢٥٦ / ٢٥ ، تفسير الصافي ١ : ٣٧٥.
(٣) تفسير أبي السعود ٢ : ١٢٣ ، تفسير روح البيان ٢ : ١٣٨.