يا رسول الله ، ما هذا الذي أصابنا ، وقد كنت تعدنا النّصر ؟ فأنزل الله : ﴿أَ وَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ﴾ إلى قوله : ﴿هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ﴾ أي بما شرطتم يوم بدر (١) .
وروى الفخر الرازي في تفسيره ، عن أمير المؤمنين عليهالسلام ما يقرب منه (٢) .
ثمّ أنّه تعالى لزيادة الرّوعة في قلوب المؤمنين ، وارتداعهم عن المعصية ، نبّههم بقدرته الكاملة ، بقوله : ﴿إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ﴾ من العقوبة بالقتل والمصائب ، والنّصر والخذلان ﴿قَدِيرٌ﴾ لا يمنعه شيء عن إنفاذ إرادته ، ولا يحتاج إلى شيء في إجراء مشيئته.
﴿وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ * وَلِيَعْلَمَ
الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً
لاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي
قُلُوبِهِمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ (١٦٦) (١٦٧)﴾
ثمّ أشار سبحانه إلى عدم انحصار سبب المصيبة في ما ذكر بقوله : ﴿وَما أَصابَكُمْ﴾ من المصائب ﴿يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ﴾ وحين تلاقى العسكران ؛ عسكر المسلمين ، وعسكر المشركين عند جبل احد ﴿فَبِإِذْنِ اللهِ﴾ وتقديره وإرادته التي هي عين العلم بحكم كثيرة ﴿وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ويظهر إيمانهم ﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا﴾ مع الرّسول أصحابه ، ويظهر كفرهم ، وهم عبد الله بن ابيّ ، ومعتّب بن قشير وأصحابهما ، حيث خذلوا المسلمين ، وانصرفوا يوم احد عن رسول الله صلىاللهعليهوآله ﴿وَ﴾ عند ذلك ﴿قِيلَ لَهُمْ﴾ والقائل عبد الله بن حزام ، أبو جابر ، قال : يا قوم ، اذكروا الله أن تخذلوا نبيّكم وقومكم ﴿تَعالَوْا﴾ وارجعوا إلى الجهاد و﴿قاتِلُوا﴾ المشركين ﴿فِي سَبِيلِ اللهِ﴾ ونصرة دينه إن كنتم تحبّون الله ورسوله ﴿أَوِ ادْفَعُوا﴾ عنّا الأعداء بتكثير سوادنا إن لم تقاتلوا معنا ، فإنّ كثرة السّواد ممّا يروّع العدوّ ، ويزيد في الهيبة والعظمة في نظرهم.
وقيل : إنّ المراد : ادفعوا العدوّ عن بلدكم وأهلكم وحريمكم ، وقاتلوا دونهم إن لم تقاتلوا في سبيل الله.
وعلى أي تقدير ، فلمّا رأوا إلحاح عبد الله بن حزام وإصراره في منعهم عن الانصراف ﴿قالُوا﴾ في جوابه دغلا واستهزاء بالرّسول والمؤمنين : ﴿لَوْ نَعْلَمُ﴾ ما يصحّ أن يسمّى ﴿قِتالاً لَاتَّبَعْناكُمْ﴾ وساعدناكم عليه ، إلّا أنّه ليس بقتال ، لعدم كونه عن تدبير ورأي متين ، بل هو إلقاء النّفس في التّهلكة. وإنّما قالوا ذلك لأنّ عبد الله بن ابيّ كان يرى الإقامة في المدينة ، ولم يستصوب الخروج إلى احد.
__________________
(١) تفسير القمي ١ : ١٢٦ ، تفسير الصافي ١ : ٣٦٧.
(٢) تفسير الرازي ٩ : ٨٢.