ثمّ كشف الله سريرتهم بقوله : ﴿هُمْ لِلْكُفْرِ﴾ لكونه راسخا في قلوبهم ، ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ وحين انصرافهم ، وقولهم ما قالوا ﴿أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ﴾ لكونه لعقة على ألسنتهم وقيل : المراد أنّ هؤلاء المنافقين لأهل الكفر أقرب نصرة يوم احد منهم لأهل الإيمان ؛ لأنّهم بالانعزال عن عسكر المسلمين أعانوا المشركين عليهم.
وفيه نصّ من الله تعالى على كفرهم في الباطن ، وإن كانوا بالإقرار بالشّهادتين في الظّاهر بحكم المسلمين.
ثمّ بالغ سبحانه في تثبيت نفاقهم بقوله : ﴿يَقُولُونَ﴾ هؤلاء المنافقون ، ويتكلّمون نفاقا ﴿بِأَفْواهِهِمْ﴾ وألسنتهم ﴿ما لَيْسَ﴾ معناه وحقيقته ، من الإيمان بالله والرّسول ، أو اتّباعكم في القتال ، داخلا وثابتا ﴿فِي قُلُوبِهِمْ﴾ بل ما يظهرونه من الإيمان والموافقة مباين لما يضمرونه من الكفر والمخالفة ﴿وَاللهُ أَعْلَمُ﴾ منكم ، بل من أنفسهم ﴿بِما يَكْتُمُونَ﴾ عنكم ، وما يسترون في ضمائرهم ، من الكفر بالله والرّسول ، ومن بغضكم ومخالفتكم.
عن الصادق عليهالسلام في حديث يذكر فيه حال ضعفاء الإيمان : « ومن ضعف يقينه أنّه يتعلّق بالأسباب ، ويرخص نفسه بذلك ، ويتّبع العادات وأقاويل النّاس بغير حقيقة ، ويسعى في امور الدّنيا وجمعها وإمساكها ، يقرّ باللّسان أنّه لا مانع ولا معطي إلّا الله ، وأنّ العبد لا يصيب إلّا ما رزق وقسم له ، والجهد لا يزيد في الرّزق ، وينكر ذلك بفعله وقلبه ، قال الله تعالى : ﴿يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ ﴾(١) .
أقول : فيه دلالة على أنّ إظهار كلّ مرتبة من الإيمان يكون خلاف ما في مكنون القلب ، نفاق ، ومشمول للآية الكريمة.
﴿الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ
الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٦٨)﴾
ثمّ بالغ سبحانه في تفضيح المنافقين ، بإفشاء ما كانوا أسرّوه من قول سيء آخر ، بقوله : ﴿الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ﴾ والموافقين معهم في النّفاق ، وعداوة الرّسول صلىاللهعليهوآله ﴿وَ﴾ هم بأنفسهم ﴿قَعَدُوا﴾ عن الجهاد ، وتخلّفوا عنه : إنّ الجماعة الّذين قاتلوا في احد وقتلوا ﴿لَوْ أَطاعُونا﴾ واتّبعوا رأينا في الإقامة في المدينة ، وقعدوا عن القتال ، كما قعدنا ﴿ما قُتِلُوا﴾ كما لم نقتل.
__________________
(١) مصباح الشريعة : ١٧٨ ، تفسير الصافي ١ : ٣٦٧.