بعثته.
﴿أَ وَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ
أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٦٥)﴾
ثمّ أنّه تعالى - بعد ما نزّه نبيّه عن الغلول ، وبيّن امتناع صدور ذلك الفعل الشّنيع ممّن له منصب النّبوّة - أشار سبحانه إلى الشّبهة التي ألقاها المنافقون بين الضّعفاء من المؤمنين ، ووبّخهم عليها أوّلا بقوله : ﴿أَ وَلَمَّا أَصابَتْكُمْ﴾ قالوا : الاستفهام للتّوبيخ ، والمعنى : أحين أصابتكم من المشركين في احد ﴿مُصِيبَةٌ﴾ وبليّة ؛ من القتل والجرح ، مع أنّكم ﴿قَدْ أَصَبْتُمْ﴾ في يوم بدر منهم ﴿مِثْلَيْها﴾ وأوردتم عليهم من القتل والجرح والأسر ضعف ما ورد عليكم ، جزعتم ؟ و﴿قُلْتُمْ﴾ إنكارا للنّبوّة ، أو أستبعادا لما وقع ﴿أَنَّى هذا﴾ البلاء ؟ ومن أين هذه الغلبة للمشركين ؟ ولأيّ وجه صاروا منصورين ؛ مع شركهم وكفرهم ؟ ونحن ننصر رسول الله. وقال المنافقون : لو كان محمّد نبيّا لما اصيب المؤمنون ، ولما انهزم عسكره من الكفّار.
عن العيّاشي : عن الصادق عليهالسلام : « كان المسلمون قد أصابوا ببدر مائة وأربعين رجلا ؛ قتلوا سبعين رجلا ، وأسروا سبعين، فلمّا كان يوم احد أصيب من المسلمين سبعون رجلا ، فاغتمّوا لذلك»(١).
ثمّ أمر الله نبيّه بأن يبيّن لهم سبب الإصابة ، ردّا على المنافقين ، وتنبيها للمؤمنين ، بقوله : ﴿قُلْ﴾ لهم : لا تشكّوا في نبوّتي لأجل ما أصابكم ، إذ ﴿هُوَ﴾ كائن ﴿مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ﴾ ونازل عليكم بسوء فعالكم وعصيانكم.
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام قال : « هو باختياركم الفداء يوم بدر » (٢) .
عن القمّي رحمهالله : كان الحكم في الأسارى يوم بدر القتل ، فقامت الأنصار فقالوا : يا رسول الله ، هبهم لنا ولا تقتلهم حتّى نفاديهم ، فنزل جبرئيل عليهالسلام فقال : إنّ الله قد أباح لهم الفداء بأن يأخذوا من هؤلاء القوم ويطلقوهم ، على أن يستشهد منهم في عام قابل بعدد من يأخذون منهم الفداء ، فأخبرهم رسول الله صلىاللهعليهوآله بهذا الشّرط ، فقالوا : قد رضينا به ، نأخذ العام الفداء من هؤلاء ونتقوّى به ، ويقتل منّا في عام قابل بعدد من نأخذ منه الفداء ، وندخل الجنّة.
فأخذوا منهم الفداء وأطلقوهم ، فلمّا كان يوم احد قتل من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله سبعون ، فقالوا :
__________________
(١) تفسير العياشي ١ : ٣٥٠ / ٨٠٨ ، تفسير الصافي ١ : ٣٦٦.
(٢) مجمع البيان ٢ : ٨٧٧ ، تفسير الصافي ١ : ٣٦٧.