الأحوال ، مطّلعين على هذه الدّلائل ، فكان إيمانهم مع مشاهدة الأحوال أسهل ممّا إذا لم يشاهدوها ، ولم يطّلعوا عليها (١) .
وروي عن أبي طالب رضوان الله عليه أنّه قال في خطبته ، عند تزويج خديجة : ثمّ إنّ ابن أخي هذا محمّد بن عبد الله ، من لا يوزن به فتى من قريش إلّا رجح به ، وهو والله له نبأ (٢) عظيم (٣) .
ثمّ بيّن الله سبحانه أعظم فوائد بعثته من تكميل قوّتي العلميّة والعمليّة فيهم ، بقوله : ﴿يَتْلُوا﴾ ويقرأ ﴿عَلَيْهِمْ﴾ أوّلا ، لإثبات صدق دعوته ، وكونه مبعوثا من جانب الله ﴿آياتِهِ﴾ القرآنيّة المشتملة على علوم كثيرة ، مع إعجاز البيان الدّالّ على كونها ممّا أوحي إليه بعدما كانوا جهّالا لم يسمعوا الوحي ، ﴿وَ﴾ بعد ذلك ﴿يُزَكِّيهِمْ﴾ ويطهّرهم من أدناس العقائد الفاسدة ، والأهواء الزّائغة ، والأرجاس الجاهليّة ، وأنجاس الأخلاق الرّذيلة ، والأعمال السّيّئة ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ﴾ بعد التّلاوة ذلك ﴿الْكِتابَ﴾ المنزل ، ويبيّن لهم حقائقه وتأويلاته ، ويوضّح متشابهاته ، ﴿وَ﴾ يدرّسهم ﴿الْحِكْمَةَ﴾ والسّنن الإلهيّة.
ثمّ بالغ سبحانه في إيضاح كمال النّعمة بقوله : ﴿وَإِنْ كانُوا﴾ كلّهم ﴿مِنْ قَبْلُ﴾ بعثته ، وفي الأزمنة المتطاولة السّابقة على طلوع شمس نبوّته ، وإشراق نور هدايته ﴿لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ وتيه الجهالة متحيّرين ، يرعون كالبهائم في مرعى الشّهوات ، ويتردّدون عمي العيون في الظّلمات.
في نقل رؤيا عبد المطلب
روى العامّة من طرقهم : أنّ عبد المطّلب جدّ النبيّ صلىاللهعليهوآله ، بينا هو نائم في الحجر انتبه مذعورا ، قال العبّاس : فتبعته ، وأنا يومئذ غلام أعقل ما يقال ، فأتى كهنة (٤) قريش فقال : رأيت كأنّ سلسلة من فضّة خرجت من ظهري ، ولها أربعة أطراف : طرف قد بلغ مشارق الأرض ، وطرف قد بلغ مغاربها ، وطرف قد بلغ عنان السّماء ، وطرف قد جاوز الثّرى ، فبينا أنا أنظر عادت شجرة خضراء لها نور ، فبينا أنا كذلك إذ قام عليّ شيخان فقلت لأحدهما : من أنت ؟ قال : أنا نوح نبيّ ربّ العالمين ، وقلت للآخر : من أنت ؟ قال : إبراهيم خليل ربّ العالمين ، ثمّ انتبهت.
قالوا : إن صدقت رؤياك ، ليخرجنّ من ظهرك من (٥) يؤمن به أهل السّماوات وأهل الأرض ، ودلّت السّلسلة على كثرة أتباعه وأنصاره وقوّتهم ، لتداخل حلق السّلسلة ، ورجوعها شجرة تدلّ على ثبات أمره وعلوّ ذكره ، وسيهلك من لم يؤمن به كما هلك قوم نوح ، وستظهر به ملّة إبراهيم عليهالسلام (٦) .
أقول : هذه الرّواية والرّواية السّابقة دالّتان على إيمان عبد المطّلب ، وأبي طالب عليهماالسلام به صلىاللهعليهوآله قبل
__________________
(١) تفسير الرازي ٩ : ٧٩ و٨٠.
(٢) في النسخة : بناء ، وفي روح البيان : والله له بعد هذا نبأ.
(٣) تفسير روح البيان ٢ : ١٢٠.
(٤) الكهنة : جمع كاهن ، وهو المنجّم عند العرب.
(٥) في تفسير روح البيان : نبيّ.
(٦) تفسير روح البيان ٢ : ١٢١.