عن ابن عبّاس رضى الله عنه : خير من طلاع الأرض (١) ذهبة حمراء (٢) .
﴿وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ (١٥٨)﴾
ثمّ بالغ سبحانه في الوعد بقوله : ﴿وَلَئِنْ مُتُّمْ﴾ في السّفر لوجه الله ﴿أَوْ قُتِلْتُمْ﴾ في سبيله ﴿لَإِلَى اللهِ﴾ العظيم الشّأن ، الواسع الرّحمة ، الجزيل الإحسان ﴿تُحْشَرُونَ﴾ وتوفدون ، ومن الواضح أن الحشر إلى الله والوفود عليه ونيل رضوانه ، أعلى وأنبل من الحشر إلى مغفرته ورحمته.
قيل : في الآية إشارة إلى مراتب العبودية ، ففي قوله ﴿لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ﴾ إشارة إلى من يعبده خوفا من العقاب ، وفي قوله : ﴿وَرَحْمَةٌ﴾ إشارة إلى من يعبده طمعا في الثّواب ، وفي قوله : إلى ﴿اللهِ تُحْشَرُونَ﴾ إشارة [ إلى ] من يعيده لحبّ ذاته ، ولكونه مستحقّا للعبادة.
عن العيّاشي : عن الصادق عليهالسلام أنّه سئل عمّن قتل أو مات ، قال : « لا ، الموت موت ، والقتل قتل » قيل : ما أحد يقتل إلّا وقد مات ، فقال : « قول الله أصدق من قولك ، ففرّق بينهما في القرآن قال : ﴿أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ﴾(٣) وقال : ﴿وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ﴾ وليس كما قلت ، الموت موت ، والقتل قتل » .
قيل : فإن الله يقول : ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ﴾(٤) ؟ قال : « من قتل لم يذق الموت - ثمّ قال - : لا بدّ من أن يرجع حتّى يذوق الموت » (٥) .
﴿فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ
فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ
اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (١٥٩)﴾
ثمّ أنّه قيل : لمّا عاد المنهزمون لم يخاطبهم رسول الله صلىاللهعليهوآله بالتّغليظ والتّشديد ، وإنّما خاطبهم بكلام ليّن (٦) ، فمدحه الله تعالى بقوله : ﴿فَبِما رَحْمَةٍ﴾ عظيمة كائنة ﴿مِنَ اللهِ﴾ العظيم ، شاملة لك ، وربطه على قلبك ، وتخصيصك بمكارم الأخلاق ﴿لِنْتَ لَهُمْ﴾ وعاملت بالرّفق معهم ، وتلطّفت بهم ، بعد ما كان منهم من مخالفة أمرك ، وتسليمك إلى أعدائك.
قيل : إنّ كلمة ( ما ) في قوله : ﴿فَبِما﴾ زائدة جيء بها للتّأكيد ، وقيل : استفهاميّة في مقام التّعجّب (٧) ،
__________________
(١) طلاع الأرض : ملؤها.
(٢) تفسير أبي السعود ٢ : ١٠٤.
(٣) آل عمران : ٣ / ١٤٤.
(٤) آل عمران : ٣ / ١٨٥.
(٥) تفسير العياشي ١ : ٣٤٤ / ٧٩٩ عن الباقر عليهالسلام ، تفسير الصافي ١ : ٣٥٧.
(٦) تفسير الرازي ٩ : ٦٠.
(٧) تفسير الرازي ٩ : ٦١.