والخيرات الدّنيوية ﴿وَلا﴾ على ﴿ما أَصابَكُمْ﴾ من البلايا والمصائب ، فإنّ التّمرّن على عدم الاعتداد بالمنافع والمضارّ ، والاعتياد عليه ، يهون فوت المنافع والابتلاء بالمضارّ الدّنيوية.
وقيل : إنّ المراد : لئلّا تحزنوا على ما فاتكم من الغنيمة ، ولا ما أصابكم من قتل إخوانكم ، أو على ما فاتكم من النّصر ، ولا على ما أصابكم من الجراح.
وقيل : إنّ التّعليل للعفو ، فإنّ السّرور بالعفو يزيل غمّ فوت الغنيمة وإصابة الجراح ، وغمّ الابتلاء بالمعصية.
ثمّ زجرهم الله تعالى عن جميع المعاصي بقوله : ﴿وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ﴾ خفيّه وجليّه ، فيجازيكم به ، إن خيرا فخير ، وإن شرّا فشرّ.
﴿ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ
أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ
مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ
كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ
عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي
قُلُوبِكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (١٥٤)﴾
ثمّ - لمّا كان أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوآله في احد طائفتين ؛ إحداهما المؤمنون الصّادقون المخلصون ، والاخرى المنافقون الكاذبون في دعواهم الإيمان - بيّن الله تعالى حسن حال المؤمنين منهم ، وتفضّله عليهم ، أوّلا لشرفهم ، بقوله : ﴿ثُمَّ أَنْزَلَ﴾ الله ﴿عَلَيْكُمْ﴾ وأعطاكم ﴿مِنْ بَعْدِ الْغَمِ﴾ الذي اعتراكم بسبب الخوف والهزيمة ﴿أَمَنَةً﴾ وسكينة في قلوبكم ، واطمئنانا لنفوسكم من بأس العدوّ وضرّه ، بأن ألقى عليكم لغاية سكون خاطركم في ذلك الوقت ﴿نُعاساً﴾ ووسنا ، ولكن لا على جميعكم ، بل كان ﴿يَغْشى﴾ ويعرض ﴿طائِفَةً﴾ خاصّة ﴿مِنْكُمْ﴾ وهم المؤمنون المخلصون.
وعن ابن عبّاس رضى الله عنه : المراد من الطائفة : المهاجرون ، وعامّة الأنصار (١) .
وفي إدخال كلمة ( عامّة ) على الأنصار دون المهاجرين ، إشعار بعدم كون جميعهم خلّصين (٢) في الإيمان ، بل كان بعضهم من المنافقين ، أو كان بعضهم في قوّة الإيمان بحيث لم يطرأه خوف (٣) ، ولم
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٢ : ١٠١.
(٢) كذا والظاهر : مخلصين.
(٣) كذا والظاهر : لم يطرأ عليه خوف.