﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا
خاسِرِينَ * بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (١٤٩) و (١٥٠)﴾
ثمّ لمّا دعا الكفّار والمنافقون - بعد انتشار خبر قتل النبيّ صلىاللهعليهوآله - بعض ضعفاء المؤمنين إلى الكف والرّجوع إلى ما كانوا عليه من الشّرك ، وألقوا بعض الشّبهات فيهم ، نهى الله المؤمنين عن اتّباعهم ، والاعتناء بشبهاتهم بقوله : ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ لا تطيعوا المنافقين - في قولهم : ارجعوا إلى دينكم وإخوانكم ، ولو كان محمّد نبيّا لما غلب وقتل - فإنّكم ﴿إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ كأبي سفيان وغيره من المشركين واليهود والمنافقين ، وتتّبعوا قولهم في أمر الدّين ، وتصغوا إلى الشّبهات التي يلقونها في قلوبكم ، خصوصا بعد وقعة احد ﴿يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ﴾ ويخرجوكم عن دينكم ، ويصيّروكم كفّارا ﴿فَتَنْقَلِبُوا﴾ وترجعوا إلى الشّرك ، بعد اهتدائكم إلى التّوحيد ودين الإسلام ، حال كونكم ﴿خاسِرِينَ﴾ في الدّنيا والآخرة ، محرومين من كرامتهما وسعادتهما ، لابتلائكم بذلّ الانقياد للعدوّ بدلا من عزّ الإسلام ، وبعذاب الخلد بدلا من الثّواب المؤبّد ، فلا تتّبعوا بطاعتهم موالاتهم ونصرهم.
﴿بَلِ اللهُ﴾ وحده ﴿مَوْلاكُمْ﴾ في الدّنيا والآخرة ، ناظر في صلاحكم ، معط لما فيه خيركم ونفعكم ﴿وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ﴾ والأعوان لكم ، فإنّه الجواد الذي لا يبخل ، والعالم الذي لا يجهل ، والقادر الذي لا يعجز ، وهو الكافي من كلّ شيء ، ولا يكفي منه شيء ، فلا ينبغي للمؤمن أن يرجو غيره ، ولا ينظر إلى ما سواه ، وعليه أن يخصّه بالطّاعة والاستعانة.
﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً
وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (١٥١)﴾
في أن النبيّ صلىاللهعليهوآله كان منصورا بالرعب
ثمّ اعلم أنّ الله تعالى نصر النبيّ صلىاللهعليهوآله والمؤمنين ، كما قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « نصرت بالرّعب مسيرة شهر » (١) ولذا هزموا على ضعفهم وقلّة عددهم عسكر المشركين على كثرتهم وشوكتهم في بدر وفي احد ، ما داموا في طاعة الله ورسوله صلىاللهعليهوآله ، فلمّا عصوا الله ورسوله صلىاللهعليهوآله في احد سلب الله الرّعب عن قلوب المشركين ، حتّى رجعوا وفعلوا ما فعلوا ، فلمّا عادوا إلى طاعة الرّسول صلىاللهعليهوآله بشّرهم الله بالنّصر بالرّعب في احد وغيرها من المواطن بقوله : ﴿سَنُلْقِي﴾ ونقذف عن قريب ﴿فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ﴾ أو يستولي عليهم الخوف منكم ﴿بِما أَشْرَكُوا بِاللهِ﴾ ولأجل كفرهم بوحدانيّته وإشراكهم في الوهيته وعبادته ﴿ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ﴾ ولم
__________________
(١) مجمع البيان ٢ : ٨٥٧ ، تفسير الصافي ١ : ٣٦١.