يقم على الوهيّته ، واستحقاق عبادته ﴿سُلْطاناً﴾ وحجّة وبرهانا.
روي أنّ الكفّار لمّا استولوا على المسلمين وهزموهم ، أوقع الله الرّعب في قلوبهم ، فتركوهم وفرّوا منهم من غير سبب ، حتّى أن أبا سفيان صعد الجبل وقال : أين ابن أبي كبشة ، وأين ابن أبي قحافة ، وأين ابن الخطّاب ؟ فأجابه عمر ، ودارت بينهما كلمات ، وما تجاسر أبو سفيان أن ينزل من الجبل والذّهاب إليهم(١) .
ونقل أنّ الكفّار لمّا ذهبوا إلى مكّة ، قالوا حين كانوا في بعض الطّريق : ما صنعنا شيئا ، قتلنا الأكثرين منهم وتركناهم ونحن ظاهرون ، ارجعوا حتّى نستأصلهم بالكلّيّة ، فلمّا عزموا على ذلك ألقى الله الرّعب في قلوبهم (٢) .
وعن الصادق عليهالسلام ، في رواية : « ثمّ انهزم النّاس ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله لعليّ عليهالسلام : يا عليّ ، امض بسيفك حتّى تعارضهم ، فإن رأيتهم ركبوا القلاص (٣) وجنّبوا الخيل فإنّهم يريدون مكّة ، وإن رأيتهم قد ركبوا الخيل وهم يجتنبون القلاص فإنّهم يريدون المدينة ، فأتاهم عليّ عليهالسلام فكانوا على القلاص ، فقال أبو سفيان لعليّ عليهالسلام : ما تريد ؟ هو ذا نحن ذاهبون إلى مكّة ، فانصرف إلى صاحبك ، فاتّبعهم جبرئيل عليهالسلام ، فلمّا سمعوا وقع حافر فرسه جدّوا في السّير وكان يتلوهم ، فإذا ارتحلوا قالوا : هو ذا عسكر محمّد قد أقبل ، فدخل أبو سفيان مكّة فأخبرهم الخبر ، وجاء الرّعاء والحطّابون فدخلوا مكّة فقالوا : رأينا عسكر محمّد كلّما رحل أبو سفيان نزلوا يقدمهم فارس على فرس أشقر يطلب آثارهم ، فأقبل أهل مكّة على أبي سفيان يوبّخونه (٤) .
أقول : وعليه ، فلا بدّ من كون نزول الآية في أثناء الحرب ، أو عند انقضائها.
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان حال المشركين في الدّنيا ، بيّن سوء حالهم في الآخرة بقوله : ﴿وَمَأْواهُمُ﴾ ومسكنهم في الآخرة ﴿النَّارُ﴾ لا غيرها ﴿وَبِئْسَ﴾ المثوى والمقرّ ﴿مَثْوَى الظَّالِمِينَ﴾ ومقرّهم وساء المكان الذي خصّهم الله به في القيامة ، بسبب ظلمهم على أنفسهم بالشّرك ، وعلى النبيّ صلىاللهعليهوآله والمؤمنين بالمقاتلة.
﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي
الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ
__________________
(١ و٢) . تفسير الرازي ٩ : ٣٢.
(٣) قلاص وقلائص : جمع قلوص : وهي الإبل الفتيّة.
(٤) الكافي ٨ : ٣٢١ / ٥٠٢ ، تفسير الصافي ١ : ٣٥٨.