البلوغ ، وان ابن سينا أفتى الناس في بخارى وهو ابن اثنتي عشرة سنة ، وانه أحاط بعلوم عصره كلها وهو يافع ، أما المعري فأعجب العجب. وكان اينشتين ابن أربع سنوات حين رأى البوصلة وابرتها الممغنطة وقال : ان ثمة أشياء في الطبيعة وراء هذه العودة المتحركة ، وكان في سن ال ١٢ حين أتى بأول نظرية جديدة له وهي التي فرق فيها بين ما هو هندسي وما هو طبيعي. وإذن فلا غرابة في إمامة الجواد والهادي.
التكليف متعلق بالطبيعة أو بالأفراد
إذا أمر الشارع بشيء كقوله : صل ـ فهمنا من أمره أن المطلوب طبيعة الصلاة وايجادها في الخارج سواء أتمثلت في الفرد الأعلى أم الأدنى (١). فالمهم الامتثال والخروج عن عهدة التكليف. واذا نهى عن شيء كقوله : لا تكذب فهمنا من نهيه ان المطلوب مجرد الترك لطبيعة الكذب بشتى أفراده الضار منها والنافع. وهكذا يفهم كل الناس من الأمر والنهي اذا أطلقا من غير قرينة. ولا ينبغي الإشكال والخلاف في هذه الحقيقة بعد ثبوتها بالحس والوجدان.
وقال الأصوليون : أجل لا خلاف في ان التكليف بظاهره متعلق بالطبيعة ، ولكن هل المطلوب أولا وبالذات وفي نفس الأمر والواقع هو الفرد الخارجي الذي تصدق عليه الطبيعة أما هي فغير مطلوبة لنفسها ، بل كوسيلة للتعبير عن المطلوب ، أو ان المطلوب أولا وواقعا هو نفس الطبيعة الشاملة لكل فرد ، وحيث ان الطبيعة لا توجد إلا بوجود أفرادها ـ اعتبر الفرد كوسيلة للامتثال وكفى.
وقال بعض المؤلفين : إن النزاع هنا لفظي لا جدوى وراءه ، لأن نتيجة القولين واحدة ما دامت الطبيعة لا توجد إلا بوجود أفرادها! ويمكن أن يكون
__________________
(١) أجمع الفقهاء والأصوليون على ان الاتيان بأي فرد من طبيعة المأمور به فهو كاف واف في الطاعة والامتثال ، لأن الأمر يسري إلى كل أفراد الطبيعة بقرينة عامة يسمونها مقدمات الحكمة ، وتتلخص بأن يكون متعلق الأمر قابلا للانقسام ولا قرينة على التخصيص ، وأن يكون المتكلم في مقام البيان ، ويأتي التفصيل في باب المعلق والمقيد ان شاء الله.