ظاهره الشمول والاطلاق بحيث يدوم لو لا النسخ ، ثم ورد نهي عن هذا الفعل المأمور ، اذا كان ذلك نظرنا : فإن علمنا لسبب أو لآخر بأن الشارع قد حرّم أو أباح بعد أن أوجب ـ فذاك المتبع ، وان علمنا بأن الشارع رفع الوجوب وكفى ، وشككنا في انه حرّمه أو أباحه بهذا النسخ فهل لنا أن نستفيد الإباحة الشرعية من دليل الناسخ أو المنسوخ أو منهما معا؟.
والحق انه لا عين ولا أثر لهذه الدلالة في شيء منهما من قريب أو بعيد ، وان كل ما يدل عليه النسخ هو رفع الإلزام بالفعل وكفى.
استصحاب الجواز
وقال قائل : أجل لا أصل لفظيا هنا يثبت الجواز والإباحة ، ولكن نثبت جواز الفعل بأصل عملي ، وهو الاستصحاب حيث نعلم يقينا أن الفعل قبل النهي كان جائزا ، لأن كل واجب يجوز فعله ويحرم تركه ، وبعد النهي نشك هل ارتفع الجواز والمنع معا ، أو ارتفع المنع دون الجواز ، نشك في ذلك لعلمنا بأن المركب ينتفي بانتفاء بعض أجزائه تماما كما ينتفي بانتفائها جميعا. وبالعلم السابق والشك اللاحق يتم الاستصحاب ويثبت الجواز.
الجواب :
أولا : ان مفهوم الوجوب بسيط لا تركيب فيه ، والنسخ يقتلعه من الجذور ، ولا يبقي له باقية من جزء أو شرط أو أثر.
ثانيا : ان الشرط الأساسي في الاستصحاب أن يكون المشكوك عين المتيقن ، فإن اختلف الموضوع وتعدد فلا مكان للاستصحاب. وهذا الشرط غير متوفر فيما نحن فيه ، لأن لجواز الفعل أربع حالات : الأولى وجوده في ضمن الواجب ، والثانية ضمن المندوب ، والثالثة ضمن المكروه ، والرابعة ضمن المباح بالمعنى الأخص أي ما تساوى طرفاه فعلا وتركا ، وكل جواز من هذه الأربعة غير الآخر ومباين له. ونحن نعلم ان جواز الفعل الذي كان ضمن الواجب قد ارتفع يقينا ، وان الذي نحتمل حدوثه ونشك في أصل وجوده هو جواز الفعل في